بين مجرم و طاغية
الرسالة السابقة
العنوان : بين مجرم وطاغية
القسم: #السياسي
الرقم: 13
السؤال:
هل ممكن عمل مقارنة سريعة بين السيسي و مبارك من حيث المميزات و العيوب , ذكاء او اجرام ؟
نحن بحاجه لكل التوسع فى الشخصيتين خاصة اننا كشعب لايوجد الا قليل متابع سياسة او فاهمها
ولكم جزيل الشكر والتقدير على ماتطرحونه وتقدمونه من منشورات رائعة وردود فى منتهى العقلانية
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
سؤال مهم , لأن كتير من الناس بتحب تضع البيض في سلة واحدة , وهو ليس كذلك .
مبارك مجرم , والسيسي مجرم , بس حتي الإجرام درجات , وفيه اختلاف بينهم .
يعني ان كان كلا من ابو الوليد "عتبة بن ربيعة " , و ابو جهل "عمرو بن هشام" , لو كان كلا منهما كافر و عدو للاسلام و للرسول صلي الله عليه و سلم , فعتبة كان عاقل جدا , وابو جهل كان في قمة الحماقة .
عتبة كان عادل و فاهم , واقترب جدا من الاسلام , وكان رأيه ان قريش تسيب الرسول صلي الله عليه و سلم و شأنه من غير ما تأذيه , ولما سمع آيات من سورة "فصلت" من الرسول صلي الله عليه و سلم اتأثر جدا , بل انه حاول يوقف تحرك المشركين يوم بدر
اما ابو جهل فكان في قمة العداء والقسوة و الغلظة مع الاسلام و المسلمين , وحاول انه يقتل الرسول صلي الله عليه و سلم اكتر من مرة , و تسبب بالفعل في مقتل ياسر و سمية , والدا عمار بن ياسر .
ده كافر و ده كافر , لكن كافر عن كافر بيفرق .
مش هقول بيفرق قدام ربنا , عشان ديه حاجة منعرفهاش , انا باتكلم علي النطاق الدنيوي اللي قدامنا .
وده اللي يخلينا لازم نفرق بين سياسي و سياسي , حتي لو كان الاتنين مجرمين في حق الشعب المصري .
وده اللي يجعل السيسي مختلف عن مبارك , ومن الخطأ وضعهم الاتنين في خانة واحدة , حتي لو كان الاتنين مجرمين, وطواغيت .
ولو هنعمل مقارنة بينهم , ممكن تتم المقارنة بناء علي 3 حاجات :
- التعامل مع المعارضة و مقدار الدموية
- السياسة الخارجية
- الاهتمام بالشأن الداخلي للبلاد
خلينا نقول ان مبارك كان ذكي شوية , كان فاهم ان لازم تعمل تسريب في الضغط السياسي , عشان ميحصلش انفجار .
و ده اللي عمله بشكل تدريجي من يوم ما مسك الحكم في 1981 , افرج عن اغلب السجناء السياسيين اللي اتقبض عليهم ايام السادات , فتح صفحة جديدة مع عدد من التيارات السياسية . .
و من منتصف التسعينات , بدأ يفتح الباب موارب شوية بشوية للديمقراطية , انتخابات مجلس الشعب بقي فيها شوية نزاهة , فيه مرشحين للمعارضة و من الاسلاميين , و عمل لأول مرة انتخابات رئاسية في مصر سنة 2005 و صحيح كانت مطبوخة جدا لكن كانت خطوة محصلتش قبل كدة في مصر .
وحتي في التعامل مع المعارضة كان ذكي , كانت الاعتقالات محدودة , و المحاكمات فيها نوع من النزاهة , وكان بيوازن بين الاخوان و اليساريين والاقباط بشكل ما , كنوع من الموائمات المطلوبة .
وده بينعكس بشكل كبير في مقدار الدموية عند مبارك , عدد ضحايا الشعب المصري اللي اتقتل علي ايد السلطة ايام مبارك هو قليل , لأنه كان ذكي و مش عايز يستفز الناس في استنفار نعرة الثأر ضد الحكومة , وكان سياسته اكتر في الاعتقال , وبرضه مكانتش فترة طويلة (باستثناء الجماعات الجهادية )
أتمني محدش يظن اني بامدح في مبارك , مبارك كان مجرم يستاهل الشنق , وهو اللي صنع الأزمة الكبيرة اللي احنا عايشين فيها , ولو كان حد محترم مسك البلد من 81 كنا بقينا بنناطح الاتحاد الاوروبي في الاقتصاد و التطوير .
فلما بقول عدد من "مميزات" , ده لا ينفي انه طاغية و ديكتاتور استأثر بالحكم لوحده 3 عقود و كان عايز يسلمه لجمال عشان يكمل 3 عقود كمان .
----------------------------------------------------------------------------------
أما للسيسي فهو مختلف . .
تعامله مع المعارضة كان تعامل شديد الحماقة و التسرع .
يعني ان كان مبارك ارخي الحبل شوية , وفتح حنفية الديمقراطية بمقدار ما, عشان الناس متفرقعش , فالسيسي شد كل الحبال , و قفل كل الحنفيات اللي قدامه , عشان يسد علينا كل منافذ الحياة الموجودة . .
واللي شجع السيسي علي كدة , ان في ايده الخمس عناصر اللي مبني عليها اي دولة : الجيش – الشرطة - القضاء – الاعلام – رجال الأعمال .
و عشان الخمسة في ايده بالفعل , وعشان هما عارفين انهم هيروحو في داهية لو غرقت مركب السيسي , فهما بينقذوه و بيساعدوه بكل الطرق .
وبالتالي كان لازم "يكسر عين" الشعب المصري , اللي تجرأ و أذل ناصية الدولة العميقة في مصر , من شرطة لفلول لرجال اعمال تابعين لمبارك .
كسرة العين ديه كانت ضرورية للسيسي , لان من غيرها مكانش هيقدر ابدا يمسك بلد تموج بالغضب الرهيب من اسلاميين رماهم في السجون , وقوي سياسية اخري عايزة ديمقراطية مش عايزة حكم عسكري .
وحتي كتير من رموز السياسة اللي أيدو السيسي في 30 يونيو , هما كمان كانو ضحايا بطش السيسي , عشان محدش فيهم يفتح بقه معاه في الحكم .
فإن كان مبارك اخد سياسة "النفس الطويل" في التعامل مع المعارضة , فالسيسي اخد سياسة "اقفل كل المنافذ" عشان اي معارض يكون في قبره ,او في السجن , او برة البلد , او قاعد في بيته و بالع لسانه .
وبالطبع السيسي مكانش هيعمل كدة ابدا مالم يجد الضوء الأخضر من واشنطن و الرياض و أبو ظبي , واللي هي اهم تلات عواصم تتعامل مع الشأن المصري .
و النقطة المرتبطة بيها و هي الدموية , خير مثال علي الفرق بين مبارك و السيسي .
فإن كان المجموع الكلي للي ماتو في الـ 30 سنة لمبارك من ضحايا علي يد السلطة لا يتجاوزو الـ 100 شخص , فالرقم ده اقل من من ضحايا نظام السيسي في مجرزة المنصة , يعني حتي مش هقارن مع رابعة . .
العدد الكلي للضحايا علي يد نظام السيسي قد يتجاوز الـ 5 آلاف , الاخوان اظهرو احصائيات مرعبة من فض رابعة و النهضة , و اغلبها موثق بالأسماء .
--------------------------------------------------------------------------------
ماذا عن السياسة الخارجية ؟ ؟
مبارك و السيسي كلاهما كان منبطح , بس فيه فرق في الاتجاه و الكمية .
يعني مبارك كان ذكي شوية , كان بينقي مين اللي يميل راسه عشان يبوس ايده , ومين اللي كان بيعامله معاملة ندية الي حد ما .
يعني تعامل مبارك مع رؤساء أمريكا الخمسة اللي عاصرهم كان فيه شوية شد و جذب .
بداية من ريجان لبوش لكلينتون لبوش الابن لاوباما , كان فيه فترات انبطاح علي تمرد ظاهري , علي مسايسة علي دعم كامل علي تنفيض و هكذا .
ومبارك مكانش بيشد و يجذب مع امريكا كراهية لها , لكن كان عينه علي ظباط الجيش اللي لو شافوه "وطي" راسه اكتر من اللازم , هيقلبو عليه .
مبارك كانت معاملته مع الخليج معاملة ندية , لأن اصلا يوم ما مسك في التمانينات مكانش فيه اي ثقل سياسي للخليج .
و كانت الدول العربية بالكامل , تنظر لمصر علي انها "الشقيقة الكبري" بشكل حقيقي .
و حتي الدول اللي عادت مصر ايام السادات عشان كامب ديفيد (زي السعودية و ليبيا) , رجعت العلاقات مع مصر ايام مبارك .
اما السيسي فهو مجنون رسمي .
عمرنا ما تخيلنا في اسوء كوابيسنا , او في اكتر المسرحيات كوميدية , شخص زي ده .
سواء في اسلوبه المدهش في "السهوكة" في الكلام و التعامل , او في المواقف المؤلمة اللي بتحصل اسم مصر .
محدش قادر ينسي مرارة بيع الجزيرتين بمنتهي الوقاحة , ومن شخص اللي المفروض متربي علي عقيدة "اراقة الدماء من اجل تراب الوطن " .
والتعامل المخزي مع الرياض و ابو ظبي , حتي انه بقي تابع ذليل في اي قرار هما يتخذوه .
وده كان واضح في قراره لحصار قطر , واللي كان واضح انه بس ماشي في ركب السادة في الخليج , مش قرار سيادي او خاص بمصر .
كمان في افراجه عن محمد سلطان (2015) ايام اوباما , وآية حجازي (2017) ايام ترامب .
ده غير التنبلة الكاملة في موقف سد النهضة , او حلايب و شلاتين , او المصريين اللي اتقبض عليهم في ليبيا اكتر من مرة .
مبارك مارس السياسية ايام ما كان نائب للسادات , واتعلم منه شوية ازاي تسوي الامور مع بعض وازاي تسايس اللي انت عايزه بفن , لكن السيسي كان كله تعامله امني بحت ,سواء المخابرات الحربية او وزارة الدفاع .
----------------------------------------------------------------------------------------------
وطبيعي ان النقطة التالتة "الشأن الداخلي" يكون برضه الميزان في كفة مبارك .
طبعا كان فيه سرقة و نهب ايام مبارك , بس كان بكمية معقولة , عشان تظل الناس قادرة تعيش , والاسعار متوازنة مع الدخل , ايوة كان فيه فقر بس كان "معقول" .
لكن أزمة السيسي انه من ناحية مش عارف بالفعل يدير البلد , ومن ناحية سايب كل انواع اللصوص في كل المجالات و الوزارات , حتي ان الشعب بقي خلاص عنده يقين ان اي اكتشاف اثري جديد , او اي حقل بترول او غاز , معناها السرقة المباشرة , بقي خلاص يقين من غير جدال .
مبارك كان ذكي في ظبط معدل السرقة سواء ليه لو لغيره , لكن هذا السفيه مش عارف يظبط الحنفية , ففاتحها علي الاخر لغاية لما تخرب .
و اساسا كمية المليارات اللي وصلت لمصر بعد 30 يونيو , يجعلها تتجاوز كل الازمات الاقتصادية اللي عاشت فيها , غير الديون الرهيبة اللي وقع عليها من صندوق النقد , واللي مستفدناش منها بشئ دلوقتي , مقابل اننا مضطرين نسددها بشكل قاسي علي مدار سنين طويلة .
و اكيد مش هنتكلم عن البنية التحتية و المدارس و القطارات و الشوارع , واللي مفيش تطوير حقيقي لمسهم من سنين
فمبارك كان عنده شوية اهتمام بالشأن الداخلي , عشان يحافظ علي مقدار ما من الرضا الشعبي , في حين حاليا الوضع لا يوصف بكلمات .
---------------------------------------------------------------------------
ده سرد مختصر للمقارنة بين اتنين من المجرمين اللي تولو الحكم في البلاد .
مهما كان التقييم موضوعي و منصف مش هنعرف نغير كلمة "مجرم" او "طاغية", او نختار كلمة اسهل منها .
واحد مسك البلاد لنفسه و كان عايز يورثها لابنه , وضيع عليها فرصة انها تكون زي ماليزيا او تايوان .
والتاني بيهد كل بقايا المعيشة الموجودة , لغاية لما هتستحيل كل منافذ الحياة في البلاد .
مين فيهم المجرم و مين الطاغية ؟ الحقيقة هما الاتنين يستحقو بجدارة اللقبين مع بعض, وهما الاتنين بيدورو في نفس الفلك , وادينا بنتعذب و بنعاني من مآسيهم بشكل يومي