العنوان : سلطان أم طاغية ؟

القسم: #السياسي

الرقم: 33

السؤال:

 

ردود حضراتكم الذكية والقيمة والمفصلة والمفيدة شجعتنى ان ابعت اسألتى ... يا تري ايه رأيكم فى اردوغان بالتفصيل يا تري فعلا هو كويس ولا ايه  ...

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

اهلا بيك , وشكرا لرأيك الجميل , ربنا يباركلك

 

منذ اندلاع شرارات الربيع العربي في 2011 , وبرز اسم الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وسط الجماهير العربية , خاصة في دول الثورات : تونس , مصر , ليبيا , اليمن , سوريا , كمناصر لهم  ومدافع عن حق الشعوب العربية في التأسي بالتجربة التركية في محاربة العسكر , ووضع الأمر في يد الشعوب . .

 

و من وقتها و بدأ الخلاف الواسع في تقييم شخص الرئيس التركي , بين من يرونه سلطانا للأمة , ومنقذا لها من براثن ديكتاتورية العسكر , و بين من يرونه مثيرا للفوضي , و داعيا إلي الخراب , وإنه هو نفسه طاغية في بلاده . .

 

و لأننا – للأسف –  مش متعودين علي اسلوب الرأي و الرأي الآخر , ومش واخدين علي استخدام الحوار الهادئ في الوصول لقرار ما , فسرعان دا دب الخلاف الحاد بين أنصار اردوغان و كارهيه , بين مؤيديه و أعداءه , من غير ما يسمح أفراد كل معسكر فيهم , في التفكير بهدوء و روية , او عمل تقييم شامل و حقيقي . .

 

و المؤسف إن احنا كمان متعودين علي إطلاق الصفات المطلقة علي الشخص, فلو ان الشخص كويس فهو رائع من كل النواحي , ولو هو شئ سئ فهو شيطان رجيم  , وممنوع ذكر اي سلبية في الشخص الرائع , او التحدث عن اي ايجابية في الشخص السلبي . .

 

مع إن المولي تبارك و تعالي وصف أم الكبائر, بقوله في سورة البقرة  (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) , وكمان ذكر ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله أيضا في سورة البقرة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) . .

 

كمان الشرع أمرنا بالموضوعية في تقييم اي شخص , في سورة المائدة الآية واضحة (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) , يعني يا مسلمين , لا تجعلو كراهيتكم لشخص , انكم لا تكونو عادلين و موضوعيين في الحكم عليه . .

 

ديه مقدمة مهمة , عشان نقدر نتكلم عن شخصية اختلف عليها الكثير , زي اردوغان . .

 

--------------------------------------------------------------------------

 

كمعلومات شخصية سريعة عنه . فممكن نقول ان هو مولود في ولاية طرابزون لأسرة فقيرة , حتي انه كان يبيع البطيخ وهو شاب صغير ,بعدها راح اسطنبول و استقر فيها , و درس في مدارس "امام خطيب" الاسلامية (زي الازهر في مصر) , وبعدها درس الإقتصاد في جامعة مرمرة , بالإضافة ان هو عنده شغف كبير بلعب كرة القدم , وحاليا سنه 65 سنة . .

 

اردوغان ذو نزعة إسلامية اضحة من شبابه , و بدأ حياته السياسة مبكرة مع حزب "الخلاص الوطني" اللي كان بقيادة البروفيسير "نجم الدين أربكان" , وبعد ما تم حله انضم لحزب الرفاه , و منها تم ترشيحه لمقعد عمدة ولاية اسطنبول , وفعلا نجح في الانتخابات و بقي عمدة أهم ولاية تركية , سنة 1994 , وكان اردوغان عمره 40 سنة . .

 

علي مدار 4 سنوات , قدر يغير تماما من شكل اسطنبول , و نجح في تحويل اسطنبول من مقلب للقمامة , و مكان لتراكم القاذورات و الأمراض , لأحد أفضل المدن في أوروبا . .

 

و بعد ما تم حظر حزب الفضيلة التابع لأربكان , قرر هو و صديقيه المقربين منه (عبد الله جول , أحمد داود أوغلو) , إنشاء حزب العدالة و التنمية AKP  , واللي دخل بيه في الانتخابات البرلمانية سنة 2001 , وفوجئ هو شخصيا بالنجاح الغير متوقع لحزبه في البرلمان التركي , واسقاط حكومة "بولنت اجاويد" . .

 

و من سنة 2001 , ولمدة 18 سنة , وحزب العدالة و التنمية ممسك بزمام الحكم في الجمهورية التركية , صنع خلالها طفرة اقتصادية ضخمة , وتحسن ملحوظ في سبل المعيشة , غير الدور السياسي الكبير اللي قامت بيه أنقرة , سواء في بلاد الربيع العربي , او القضية الفلسطينية , او مناطحة واشنطن في العديد من القرارات , كان أهمها رفض استخدام الأراضي او المطارات العسكرية التركية في غزو العراق سنة 2003 .

 

والفيديو ده بيشرح بشكل سريع عدد من إنجازات اردوغان خلال سنوات حكمه : رابط الفيديو

​

-----------------------------------------------------------------------------------

 

بس لسة معملناش إجابة عن السؤال المهم , يا تري الراجل فعلا مُصلح و "سلطان المسلمين" , ولا طاغية  و ديكتاتور ؟ ؟

 

زي ما قلنا في البداية , السياسة ملهاش مقياس أحادي للحكم علي الناس , واي شخص مهما كان هو مين , ليه عدد من المميزات بالإضافة لعدد من العيوب , و الشخص الذكي هو اللي ينظر للصورة الكاملة , مش يكتفي بحُكم مطلق ممكن ميكونش دقيق . .

 

من الخطأ التعامل معاه علي إنه "خليفة المسلمين" , وكمان من الخطأ التعامل معاه علي إنه "طاغية و ديكتاتور" , في النهاية هو فيه عدد من النقاط الإيجابية و السلبية مع بعض  . .

 

ممكن نقول إن النقط الإيجابية زي :

 

• إنه بالفعل نقل البلاد من مرحلة متأخرة في سلم الحياة الإجتماعية و الاقتصادية  , إلي دولة صاعدة في المجتمع الدولي , حتي إنها انضمت لمجموعة الدول العشرين G20  اللي هي أكبر 20 دولة اقتصاديا علي مستوي العالم

 

• إنه عمل تحسن ملحوظ في الخدمات المقدمة للمواطن التركي , من تعليم و صحة و مواصلات و معاشات و فرص عمل , ده غير التطوير الكبير في البنية التحتية للبلاد , واللي زار تركيا من 20 سنة مكانش هيستحمل يقعد فيها اسبوع علي بعض

 

• إنه فعليا أسقط حكم العسكر في البلاد , الجيش التركي كان يحكم بقبضة من حديد من بداية نشأة الجمهورية التركية علي يد اتاتورك سنة 1923 وحتي التسعينات , حتي إن تركيا حصل فيها اربع انقلابات عسكرية (1960 , 1971 , 1980 , 1997), و بالطبع ده كان ليه الأثر السلبي الكبير في تدمير اقتصاد البلاد , و تراجع اي فرص للاستقرار الحقيقي فيها , اردوغان و حزبه نجحو في إرجاع الجيش لثكناته , و تقليم أظافر أي أطماع سياسية للقادة العسكريين.

 

• بالتوازي عمل تطوير حقيقي في الجيش التركي , واللي هو بالفعل أكبر جيش في أوروبا من ناحية العدد, و مصنف الجيش التاسع عالميا من حيث القوة و التسليح , متقدم علي جيوش دول تانية مهمة زي إيطاليا و ألمانيا .

 

• إنه استطاع إرساء روح الديمقراطية الحقيقية في النظام التركي , وإن بالفعل المواطن عنده القدرة علي إزالة رئيس البلاد , و تغيير البرلمان , و اختيار المجالس المحلية , وحتي أعتي خصوم اردوغان (حزب الشعب الجمهوري CHP  و حزب الشعوب الديمقراطي HDP  ) مش قادرين يتهمو اردوغان بتزوير الانتخابات او بالتلاعب فيها علي مدار 18 سنة (سيبك من كلام أحمد موسي)

 

• إنه نجح في لعب دور سياسي علي المستوي المحلي و الاقليمي و العالمي , بالفعل لا يمكن تجاهل أنقرة  في اي مفاوضات عن القضية السورية , او المعضلة الكردية , غير أزمة الصواريخ الروسية  S400 اللي تسببت في صداع في راس واشنطن و الاتحاد الأوروبي علي حد سواء

 

• إنه نجح – بمقدار ما – في حل أزمة الاقتتال الدموي الرهيب , اللي كان يعصف بمدن الجنوب , بين الجيش التركي , ومقاتلي حزب العمال الكردستاني PKK  , واللي حصدت أرواح فوق الـ 40 ألف مواطن في التمانينات و التسعينات , تم حل الأزمة بشكل كبير بعد ما تم عمل المصالحة سنة 2013

 

• إنه عمل احتضان حقيقي لمئات الآلاف من الفارين من جحيم النظم الديكتاتورية العربية و علي رأسهم سوريا و مصر , او الدول اللي بتعاني من مشاكل مستمرة أخري  : فلسطين , مسلمي الإيجور , جمهوريات القوقاز الإسلامية

 

-----------------------------------------------------------------------------------

 

ديه كانت النقاط الإيجابية  اللي قام بيها اردوغان , ماذا عن السلبيات ؟ ؟ ؟

 

زي ما قلنا , لأن مينفعش نعمل تقييم لاي شخص بمنظور أحادي , فلابد نتكلم عن حسنات و سيئات الشخص علي حد سواء . .

 

و أرجوك , مهما كان حبك لشخصه , فمينفعش تعمل تبرير لخطأ معين حصل , لما بنقول ان كذا كذا غلط  ,فمش معني كدة ان الشخص ده مجرم  , لكن معناه ان يا فلان خد بالك لأنك بتاذي غيرك , سواء كنت عارف او مش عارف

 

• إنه مُصر علي تصدر الواجهة بشكل دائم و مستمر , مُصر علي لعب دور الـ one man show , ان هو وحده يكون في المشهد وتهميش اي كوادر تانية , وده اللي جعل صديقيه المقربين , وشريكاه في تأسيس حزب العدالة و التنمية  (عبد الله جول , احمد داود أوغلو) يتركو العالم السياسي  , ويسيبوالجمل بما حمل من يأسهم في تغيير تعامله الفردي الغريب

 

• إنه مُصر علي النظام المركزي في الإدارة , وإن نسبة التفويض او تنمية الكوادر الجديدة تكون اقل ما يكون , و الأزمة إن ده بيشخصن النظام كله في شخصه هو , فهو لو مات او تم اغتياله , هيحصل فراغ رهيب في الحالة السياسية التركية , وانهيار متوقع في حزبه

 

• إن حرية الرأي في تركيا عليها علامات استفهام , بالطبع هي افضل كتير من جميع البلاد العربية , لكن لازالت بعيدة عن الصورة المطلوبة , و فيه فوق الـ 200 صحفي معتقل في تركيا , يا تري كام واحد فيهم برئ و كام واحد مجرم ؟ , نؤكد تاني ان مفيش مقارنة بين جو الحرية في تركيا و باقي البلاد العربية , لكن حرية انتقاد شخص اردوغان لازالت غير مكفولة بالكامل

 

• إن فيه علامات استفهام حول دور الجيش التركي في سفك دماء المئات  في مناطق الأكراد في الشمال السوري , وبالتحديد في مدينة "الباب" في شمال حلب في ديسمبر 2016 , يا تري كان فيه تحقيق موضوعي و سليم عن الماساة اللي حصلت هناك , بالتأكيد ده لا يقارن ببشاعة جيش النظام او الروس , لكن دم مسلم واحد اشد من هدم الكعبة

 

• ان العلاقات مع الكيان الصهيوني لازالت موجودة , كمان الجيش التركي هو عضو في الناتو اللي ليه دور مخزي في افغانستان .

 

• ان فيه علامة استفهام حول شخص "بيرات البيرق" , اللي هو وزير الخزانة التركي , واللي كان قبل كدة وزير الطاقة , وفي نفس الوقت هو زوج بنته "إسراء أردوغان" , يا تري مدي صحة الأقوال المتداولة عن تدخل بيرات في الكثير من قرارات اردوغان ايه  ؟ ومدي سلطات بيرات في التعيينات الحكومية و أداء الوزارات  .

 

--------------------------------------------------------------------------------------

 

فباختصار . .

 

اردوغان مش سلطان المسلمين , وكمان مش طاغية  او ديكتاتور , في النهاية هو رجل له تجربة بمميزات و عيوب محددة , ولابد من النظر للصورة الكاملة , قبل اتخاذ اي حكم عليه    

​