أعراض الإكتئاب
الرسالة السابقة
العنوان : أعراض الإكتئاب
القسم: #النفسي
الرقم: 14
السؤال:
صباح الخير
منذ ان توفى والدى واصبحت لا ارى للحياه طعم ولا معنى واصبحت تتملكنى فكره اننا جميعا سياتى يوما علينا ونرحل
ولان الاب هو السند والامان فمنذ ان رحل ورحلت معه هذه المعانى
وبالاخص اننا واجهتنا العديد من الصعاب وخذلنا العديد من اصدقائه
حيث انه كان يربطه بهم شراكه فى العمل واستحلوا اموالنا بحجج وهميه فلم ارى الخير فى هذه الدنيا الا من رحم ربى
باختصار لم يعد لدى شغف لهذه الحياه اصبحت افضل الوحده
حتى العلاقات الاجتماعيه بحس ان الناس بتعرف بعضها عشان المصالح وبس
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
صباح النور , وان كنت أشك انك بالفعل تشعري بالنور الموجود ,بعد ما صنعتي هذه الهالة السميكة من الحزن . .
رحم الله الوالد وطيب ثراه , و جعل البركة في الذرية , وحفظكم من شياطين الإنس الذين ما انفكو يتربصون بكم , ليلا و نهارا . .
باختصار , انتي بتسيري في خط مستقيم في اتجاه ما يسمي (اضطراب الإكتئاب) او الـ (Major depressive disorder) , واللي كفيل بتدمير كل شئ عندك , بما فيهم حياتك . .
و أحيانا ينتهي الحال بمريض الإكتئاب – مالم يُعالج – إما مُدمن , او نزيل مستشفي عقلي , او مُنتحر . .
و في افضل الأحوال , هتظلي سجينة زنزانة الاكتئاب لسنين طويلة , واللي هتمنعك بالفعل من الحياة علي الكوكب كآدمية , وهتعتزلي الناس و الحياة . .
فانتي علي أول طريق مخيف , ويارب متكونيش مشيتي فيه كتير بالفعل , ولو تركتي لنفسك العنان هتوصلي لنهايته سريعا , وده شئ مفزع . .
انا عن عمد بخوفك عشان تدركي ان فيه أزمة قد تحدث , لو تركتي نفسك في المنحدر ده , واللي ملوش الا طريق طويل مظلم . .
تعالي نتكلم في البداية ليه انتي في الاساس حاسة بالحزن الشكل العميق ده . .
---------------------------------------------------------------------------
وفاة انسان غالي بيكون غالبا السبب الرئيسي للاصابة بالاكتئاب , خاصة عن اقرب الناس ليه , واللي مش هيتخيلو الحياة من غيره . .
والتناول الطبيعي للحزن ده , ان الشخص يحزن بشكل كبير في البداية , وقد يصاب بانهيار عصبي مؤقت , ويظل ايام ملوش نفس لاي حاجة , وقد يفكر في الانتحار او اعتزال الناس . .
وممكن نفس الشخص – لازلنا في التناول الطبيعي – يسكت خالص اول ايام بعد الوفاة , ويكون فيه نوع من عدم التصديق باللي حصل , وميعيطش نهائي خلال الاسبوع الأول , لكن بعدها ينهار في البكاء لما تتراكم الأحزان عليه . .
وبعد ايام او اسابيع ,بيبدأ تدريجيا يمارس الاعمال الضرورية فقط , الكلية , الشغل , يجيب الاكل , وغالبا بيكون لسة في حالة الاكتئاب المستمرة , واللي بتزيد كل ما يفتكر المرحوم , او يشوف حاجة متعلقة بيه . .
و بعد كام شهر , بيكتشف الشخص – ده لو كان طبيعي – ان حالة الحزن بتقل تدريجيا , وانه بدأ يضحك احيانا , ويتفرج علي التليفزيون , ويخرج و يتفسح , وممكن كمان يروح المصيف في الصيف اللي بعده , او يحضر فرح حد صديقه . .
و بعد سنين , لا يتبقي من الحزن , الا ذكريات بعيدة باهتة نوعا , واللي غالبا بترتبط بابتسامة لما تيجي سيرة المرحوم , و يتقال بعدها "الله يرحمه" . .
---------------------------------------------------------------------------
طب ماذا عن الشخص الغير عادي ؟ ؟
غالبا بيكون ليه نفس البداية , اللي هو يا اما حزن شديد في البداية , يا صدمة عصبية , بعدها الانهيار في البكاء . .
و لكن . .
التناول الغير عادي للحزن , يجعل الشخص مستمر علي تمسكه بالحزن ولا يريد مفارقته . .
وإما أن يقوم بالاستمرار في الاساسيات , زي الكلية او الشغل , ولكن بنفس حزينة, وجسد بلا روح . .
او انه أيضا يعمل مقاطعة حتي الاساسيات , ويعيش علي الحد الادني من مقومات الحياة . .
ديه هي بالكامل الوصف الدقيق لحالة الاكتئاب اللي بتصيب البعض بعد الوفاة . .
و عايزين نحط ايدينا علي السبب الرئيسي اللي بيجعل الشخص يحزن بالمقدار الغير طبيعي ده . .
هو صحيح ليه الشخص بيحزن اصلا لما حد بيموت له . .
خاصة لو كان الشخص نتلمس فيه انه قريب من ربنا , فبنكون متفائلين انه من اهل الجنة . .
لأن من واحنا صغيرين , واحنا بنتعامل مع الموت علي إنه مأساة , مصيبة , كارثة , حاجة فظيعة بتحصل , فبنزعل و نعيط و ننهار و نبكي , عشان اهالينا بيعملو كدة . .
فلما احنا كبرنا , بقينا متأثرين بيهم , بشكل كبير . .
لا شك فيه عامل متدخل في الأمر وهو "الافتقاد" اني مش هشوفه تاني , انه هيوحشني , بس صدقوني لما اقول ان احنا كعرب , مكبرين جدا الموضوع عن حجمه . .
يعني لما قريبك يسيبك و يروح ماليزيا , ويفضل هناك سنين طويلة و انت اصلا لا بتشوفه ولا تكلمه ولا انت عارف هو عامل ايه . .
لما تعرف انه مات فورا , بتعيط و تحزن جدا , طب اصلا انت مش بتشوفه ولا مفتقده ولا كلمته من سنين ,اذن مفيش كمية الافتقاد اللي تتوازي مع البكاء و الحزن ده كله . .
ليه بقول كدة ؟ ؟
عشان بس نبدأ نغير شوية في معايير الحزن داخلنا , و نجعلها مظبوطة بالقدر الكافي , لا نقللها فنكون باردين بلا مشاعر , ولا نزودها فندخل في مود الاكتئاب . .
فيه سبب تاني مهم جدا , بيجعل كتير من المكتئبين يواصلو اكتئابهم . .
ان هو "محرم" علي نفسه اي فرح او سعادة بعد الوفاة , ولسان حاله بيقول "معقولة يبقي عندي دم ,لما اضحك ولا افرح و بابا لسة ميت من قريب"
"معقولة ينفع اننا نروح مصيف من غير بابا , انتو اتجننتو ؟ ؟ "
"معقولة اروح سيتي ستارز , وبابا لسة ميت من 5 شهور , لا طبعا"
و بتزيد الاشكالية , لما يكون مثلا فيه خطة لخطوبة او كتب كتاب , و تيجي الوفاة قبل الحفل بفترة قليلة . .
طبعا بيكون فيه تأجيل , بس لغاية امتي ؟ ؟ رغما عنهم فيه التزامات تانية معاهم . .
فلو مثلا عملو الحفل بعد الوفاة ب 3 شهور , هنا ممكن مثلا تيجي بنت المرحوم , وتكون معترضة جدا , "انتو بتهزرو ؟ ؟ معندكمش دم ولا اخلاق ؟ ؟ للدرجادي بابا سهل عندك ؟ ؟ ليكو نفس تفرحو وهو لسة مدفون من قريب ؟ ؟ طبعا مش هاحضر ابدا وانتو غورو في داهية" . . .
و هنا يظهر سؤال مهم , لازم نوجه ليها . .
هو يا تري عمل الفرح هيأذي المرحوم في شئ ؟ ؟
الاجابة : "أكيد لا"
سؤال تاني . .
لو أجلنا الفرح كمان سنة ولا سنتين , يا تري ده هيفيده بشئ ؟ ؟
"برضه لا" . .
طب يا تري نأجله اكتر من 3 شهور ليه ؟ ؟
يعني ايه اللي هيحصل لما نأجله كمان سنة ؟ هل الميت هيستريح اكتر ؟ ؟ هل الحزن هينتهي ؟ ؟ هل قيمة الوالد هتزيد اكتر ؟ ؟
اجابة السؤال ده شديدة الأهمية في فك عقدة الاكتئاب . .
لأن اصلا السؤال بالفعل ملوش اجابة , بل ان لو ابن المرحوم اتجنن , واتجوز بعد وفاة ابوه بيومين مثلا , فده بالطبع مش هيأذي المرحوم في اي شئ . .
ولو ابن المرحوم تمسك بستائر الحزن الشديد , وفسخ خطوبته , وساب الشغل , و بقي ياكل عيش ناشف و مش لمدة عشرين سنة , فده برضه مش هيفيد المرحوم بأي شئ . .
احنا بنضحك علي نفسنا بالشكل ده , الشرع علمنا ان فيه اعمال معينة بتفيد المتوفي (الصدقة , الدعاء ليه), وفيه اعمال قد تضره (الصويت علي راي بعض العلماء) . . لكن بالطبع استمرار الحزن ملوش اي علاقة بيه . .
الشئ اللي بيجعل ابن او بنت او زوجة المتوفي يستمر في حزنه , هو نوع من "تحريم" الفرح علي نفسه , باعتباره جريمة , ازاي اضحك و بابا ميت . .
بينما هو لو بطريقة ما , ربنا قدر له انه يشوفك بعد ما مات , بالتأكيد هيحزن جدا للي هيصيبك من اكتئاب هيدمر حياتك تماما . .
في بعض الثقافات في مجتمعات أوروبا و أمريكا , عشان يسهلو علي الأطفال معني الموت , فبيقولولهم ان ارواح الاموات بتيجي تشوفك , فلازم تعمل الشئ اللي يفرحه . .
فلو الطفل "جاك" جده مات مثلا , يقولوله لو انت بتحبه فعلا , وعايز جدك يبقي فرحان , متزعلش نفسك , ومتفضلش حزين , و ومتسيبش الاكل بتاعك , وكمل دراسة و مذاكرة , عشان هو بييجي يشوفك , ولو لقاك زعلان هو كمان بيتضايق . .
وبالرغم من الخلل العقائدي في الأمر ده (قل الروح من أمر ربي) , إلا ان الفكرة ديه بتجعل الطفل بالفعل يتعامل مع الموت علي انه شئ عادي , وهو شبيه بالسفر من مكان لمكان , يعني ابن عمتك اللي راح ماليزيا و قاعد فيها من سنين طويلة , قريب من انه مات بالفعل , انت في الاصل مش شايفه . .
بالتأكيد لا ادعو لبرود الأعصاب او للتوقف عن الحزن بالشكل السليم , لكن لإعطاء كل شئ حقه و كميته المناسبة , ولو انتي هتحزني علي والدك المتوفي لغاية لما تنهاري , افتكري ان قدام هيكون عندك اولاد و بنات , ولما ربنا يقدر أجلك بموعد محدد , قد تكوني انتي في نعيم الجنة , وهما بيتعذبو في عاصفة الاكتئاب والحزن المستمر , يا تري ساعتها انتي هتبقي فرحانه ؟ ؟
طيب تعالي ناخد مثال عملي , من أفضل خلق الله صلي الله عليه و سلم ؟ ؟
الرسول صلي الله عليه و سلم فقد ستة من ابناءه امام عينيه (عبد الله , ابراهيم , القاسم , رقية , ام كلثوم , زينب ) . .
تخيلي ستة من ابناءه و بناته يموتو في حياته , ولم يتبقي من كل ابناءه الا السيدة فاطمة رضي الله عنها , واللي ماتت بعده بست شهور فقط . .
كمان فقد اعز شخص عنده السيدة خديجة , ثم عمة ابو طالب , وبعدها بسنين عمه حمزه . .
ده غير وفاة ابوه وامه و جده وهو طفل صغير . .
ولم يبكي في اي مرة فيها اكثر من القدر المطلوب , بل انه كان يوصف دائما بالمبتسم البشوش
و بالتأكيد باشر حياته و رسالته و دعوته و حروبه من غير توقف . .
و كان مع زوجاته و ابناءه مبتسم و ضحوك . .
يعني الرسول صلي الله عليه وسلم , علمنا ان لما يحصل شئ مؤلم – زي ما حصلت له اكتر من مرة – الشخص يحزن بالمقدار المعقول, وبالكمية المناسبة . .
وبعدها اي اجترار للحزن بشكل إضافي , او اعادة التذكير ,او لوم نفسك علي انك فرحتي , او تعذيب نفسك في سجن الاكتئاب , او اعتزال الناس و الحياة . .
كل الأمور ديه بعيدة تماما عن منهج الرسول صلي الله عليه وسلم , وبعيدة عن المنهج الانساني السوي , في التعامل مع الاحداث
وبالتالي . .
لو عايزة بالفعل تعملي الشئ اللي يرضي ربنا سبحانه وتعالي , وتجعلي والدك فخور بيكي , وكان هيوافقك عليه لو شافك , انك تبدئي ترجعي لمظاهر الحياة العادية بالتدريج , وبعد اشهر من الوفاة تعاملي مع الحياة بشكل طبيعي جدا , يعني روحي المول , واشتري هدوم جديدة , وخططي مع ماما هتروحو المصيف فين , واتصلي بعمتك سلمي عليها , و ركزي في الكلية و شدي فيها جدا . .
و لو في مرة حسيتي باللوم و العتاب , ازاي تفرحي و تضحكي بعد ما بابا اتوفي , ساعتها قولي لنفسك , انا لو عايزة اللي ينفع بابا اني افتح المصحف و اقرا قرآن و ادعيله ,لكن اني اشوف فيلم لاسماعيل ياسين مش هيضره في اي شئ , بل انه هيفرح لو عرف اني فرحانه . .
ابدئي تعاملي تدريجيا مع الموضوع ده , وهتلاقي نتيجة ايجابية ان شاء الله
---------------------------------------------------------------------------
الشئ الاخير اللي اختم بيه , هو موضوع الشركاء اللي استولو علي حقكم , وبدأو في النصب عليكم و اكل حقكم بعد الوفاة . .
والحقيقة اني مش هتكلم علي النقطة ديه الا اقل القليل , لأن حلها بييجي بخطوات قانونية و ادارية , وده مش مجال الصفحة , انتي محتاجة محامي فاهم , او شخص "شاطر" يعرف يتعامل معاهم , فيه مثل – هو مش سليم 100 % بس ممكن نستفاد منه – بيقول : البيت اللي مفيهوش صايع , حقه ضايع . .
فانتي شوفي من عيليتكم مين صايع يعرف يتعامل معاهم , من غير اي بلطجة ولا اعتداء , لكن عشان يوقفهم عند حقهم ,بالاستعانة بمحامي عشان يديهم فوق دماغهم . .
فانا شايف انك تركزي بس علي علاج اكتئابك , وانك تبصي للدنيا بنظرة تانية , هتلاقي ليها طعم و ريحة و معني و كل حاجة , وانك لما تفكري في المون انه جاي , زي ما قلتي في رسالتك , يبقي من باب التشجيع علي العبادة , والتذكير بالله ,مش من باب الاكتئاب . .
يعني مفيش اي مشاكل انك تفتكري الموت وانتي ماشية في المول , او وانتي في المصيف , و ده يدفعك انك تلتزمي بشرع ربنا اكتر , لكن تذكر الموت مش هيمنعك انك تروحي المول من اساسه , صح ؟ ؟