top of page

الذكري الثامنة

left_back_arrow_blue.png
22 الذكري الثامنة.jpg
8888.png

الرسالة السابقة

العنوان : الذكري الثامنة

القسم: #السياسي

الرقم: 22

السؤال:

 

دلوقتي بعد 7 سنين من ثورة يناير  انتو شايفين انها لسة شغالة ولا فيه امل انها تنجح ؟

 

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

 أهلا بيك

 

إجابة سؤالك مؤلمة , لأنها بتخلينا نرجع سنين لورا , بالتحديد 8 سنين مش 7 زي ما انت قلت في السؤال .

 

بعد اسابيع هنكون علي موعد مع الذكري الثامنة لأجمل حدث حصل في مصر في العصر الحديث , بل اني سمعت بودني أحد ابطال حرب اكتوبر , لما قالي  : ( ان لحظة ثورة يناير كانت بالنسبة لي أجمل من عبور 6 اكتوبر . .

 

لان في حرب اكتوبر احنا كنا بنحارب عدو محدد , لكن في 25 يناير احنا كنا بنحارب عدو أكبر منه و هو الخوف , الخوف اللي خلانا في قاع العالم لأننا اتأخرنا في طلب الحرية , لكن انتو يا شباب اللي عملتو الخطوة ديه . .  )

 

وخطوة تقييم ثورة 25 يناير , بعد مرور 8 سنين عليها , مش هيكون سهل , وده لأنها جمعت بين وجوه حقيقية للنجاح , ونواحي عديدة من الفشل , مكتسبات رائعة , ومآسي دموية .

 

ثورة 25 يناير مش سهل ان يتم تقييمها , لأن لازالت صورتها يكتنفها الضباب و عدم الوضوح , لا هي انتصار عظيم متكامل نقدر نفخر بيه و نتغني بأمجادها , ولا هي نكسة كاملة مستمرة , نندم عليها و نحاول نقاومها .

 

وعشان يكون تقييمنا لثورة يناير أكثر دقة  و موضوعية , هنخلي التقييم بناء علي خمس محاور ,بحيث نتكلم في كل محور علي حدة من حيث المكتسبات او المآسي .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------------
 
المحور الأول : كسر الخوف .

 

محور الخوف من السلطة , مرتبط بنقطة "مقدار هيبة السلطة في قلوب الناس"  . .

 

و خلينا نقول ان بعد 8 سنين من الثورة  , فحاجز الخوف اتكسر عند فئات كتيرة من الشعب , لكن زاد عند فئات تانية .

 

أيام مبارك كان فيه "شبح" كبير اسمه السلطة , كان رئيس الجمهورية يمثل كيان هائل له ثقل نفسي كبير عند اغلب الناس .

 

حتي الفئات العديدة اللي كانت كارهة لحكم حسني مبارك , مكانش عندها الشجاعة في التفكير لتحديه أو إسقاطه .

 

حتي قوي المعارضة اللي كانت موجودة (المعارضة الحقيقية مش الكرتونية) , زي الإخوان او 6 ابريل او البرادعي او حركة كفاية , حتي دول مكانش عندهم طموح او أمل او مطالب بتغيير حسني مبارك , كان كل مطلبهم وقتها انتخابات برلمانية عادلة , و ايقاف مشروع التوريث المرتقب .

 

المرات الوحيدة القليلة اللي كان فيها مظاهرات في الشارع كانت ايام حرب العراق 2003 , وكانت تنفيث غضب مش ضد النظام , ومظاهرات كفاية 2005 , واللي كانت ذات نطاق و أثر محدود رغما عن القائمين عنها .

 

وقتها كان فيه حاجز نفسي مش قليل  , اسمه الخوف , واللي كان ميراث العهد الناصري المظلم .

 

لكن دلوقتي فعلا الخوف راح من فئات كتيرة , وسقطت هيبة الحاكم من قلوب أعداد متزايدة من الناس , و حتي الانتشار الواسع للسخرية من السيسي أو أفراد حكومته و رموز سلطته , هو دليل واضح علي ده .

 

غلط انك تعمل تقييم أحادي الجانب بطريقة : ( يعني هي السخرية هتعمل ايه ؟ ) ولا (طيب سقطت هيبته , استفادنا احنا ايه ؟ ) , لأن مراحل  تغيير اي نظام رغما عنا بتكون درجات متتالية , أولها اسقاط هيبة اي حاكم ظالم . .

 

بل حتي لو كان حاكم عادل , المفترض ميكونش ليه اي هيبة أو هالة تحوطه , هو مجرد موظف عند الشعب , واول ما يغلط لازم منسكتش عليه .

 

-----------------------------------------------------------------------------------------

 

المحور التاني  : الوعي السياسي

 

وده لازم نقول انه بالفعل أحد المكتسبات الهامة للثورة . .

 

الناس بقت فاهمة يعني يعني ايه رئيس و برلمان و دستور  و هيئات قضائية و أنظمة الحكم و الفصل بين السلطات , الناس بقت اكتر متابعة ايه اللي حصل في الانتخابات , والقانون الفلاني تم تمريره ولا لأ, بل ان متابعة السياسة العالمية بقت مختلفة مع الأحداث المتتابعة في العالم العربي  .

 

و أبلغ مثال علي كدة , انك ممكن تسأل اي حد من جيل آبائنا علي أحداث جسيمة حصلت في عهدهم , و هتلاقي ان بالفعل مش عارفين عنها حاجة , واللي عارف فهو مش عارف التفاصيل , زي مجزرة حماة سنة 1982 , او خلع النميري سنة 1985 , او مأساة صبرا و شتيلا سنة 1982 , او الحرب الأهلية اللبنانية ما بين 1975  و 1990 .

 

حتي أحداث جسيمة زي الثورة الإيرانية سنة 1979 , او الحرب العراقية الإيرانية ما بين سنة 1980 و 1988 , او اجتياح الكويت سنة 1990 , حتي احداث كبيرة بالحجم ده , أغلب الجيل السابق معندوش تفاصيل عنها , اكتر من عناوين الصحف اللي قراها ايامها و خلاص .

 

بينما أحداث حالية أقل أهمية , و أضعف أثرا زي مقتل خاشقجي , او لجوء الفتاة السعودية رهف , او تصريحات البرلمانية الكويتية صفاء الهاشم , احداث زي ده انتشرت و اتعرفت من قطاعات واسعة من المجتمع , وحتي الغير متابعين للسياسة , مش بس بسبب انتشار وسائل التواصل الإجتماعي , ده كمان عشان بقي فيه اهتمام بالسياسة اكبر , و وعي مجتمعي أوسع .

 

أكيد هنلاقي أمثلة سلبية من اللي عندهم قناعة سياسية مقلوبة , لكن بالفعل نسبتهم بتتضائل تدريجيا , وأغلبهم عارف الصح ايه بس بيعاند و خلاص .

 

------------------------------------------------------------------------------------------

 

المحور الثالث : الإحساس بالإنتماء . . .

 

و المقصود بيه بالتحديد , هو إحساس الشخص بإن ديه بالفعلا بلاده و بالتالي بينعكس علي مقدار رغبته  في تنميتها و العمل علي نهضتها  . .

 

و الأمر ده اختلف علي طول سنوات الثورة .

 

فقبل اشتعال الثورة  كان الإحساس بالإنتماء للبلاد متوسط , فيه فئات تشعر بالإنتماء بمقدار معقول , وفيه ناس كانت فقدت الأمل و بتفكر في الهجرة , وفيه اللي عايش و خلاص يدرس و يتخرج و يشتغل و يتجوز  .

 

بعد سقوط مبارك اشتعل الحماس في قلوب الملايين  , وارتفع مؤشر الإنتماء لدرجة غير معقولة , واللي كان يصاحبه تفاؤل غير محدود  , وصورة وردية أدركنا بعدها انها كانت غير سليمة .

 

حتي إن ليا صديق مقيم في كندا و حاصل علي جنسيتها , أول ما سقط مبارك عمل تصفية لكل أعماله هناك و نزل مصر فورا هو و أسرته , عشان يستمتع ببلاده مصر و يستقر فيها ,و اللي كان فاقد الأمل فيها ايام مبارك . .

 

لكن بعد شهور قليلة من عمر الثورة , بدأ الحال يتغير سلبا .

 

بدأ الصدام بين الشعب و الحكومة بقيادة طنطاوي , ثم الصدام بين الشعب و الشعب , و القوي السياسية  ضد بعضهم البعض , وبدأت الصفقات و الموائمات و الإتهام بالخيانة و الإتهام بالعمالة , وسال الدم مرة تانية , في البداية علي يد الشرطة و الجيش , وبعدها علي يد الشعب بعضه البعض .

 

وحاول ملايين الشباب اللي كان متشبع بحب بلاده ,  حاولو انهم ينقذوها من اللي فيه , لكن ضبابية الصورة , وعنف الصراع و رائحة الدماء , جعلت الشباب تكفر بحب بلادها , وبكل مشاعر الإنتماء لها , خاصة بعد المصير الأسود للبلاد علي يد السيسي . .

 

رغما عن الشباب , فقدو كل انتماء لهم بالبلاد , ونشأت مئات الصفحات و الجروبات الخاصة بالسفر و الهجرة بل و التهريب و اللجوء  , وبقي لسان حال الآلاف , أسافر اي مكان بس اخرج من هنا . .  

 

اللي حصل ده مش نتيجة الثورة , لكن نتيجة عناد نظام رفض اي محاولات لتحقيق الديمقراطية بشكل سليم , بالإضافة لحماقة عدد من الساسة اللي مفهموش ازاي يتعاملو مع ثورة .

 

------------------------------------------------------------------------------------------

 

المحور الرابع : الوضع الإقتصادي . . .

 

وهو كان أكبر عقاب للشعب علي القيام بثورته .

 

الوضع الإقتصادي أيام مبارك كان صعب , لكن بالتأكيد مش بالصورة القاتمة الموجودة حاليا في عهد السيسي .

 

 لما بنقول كدة فاحنا مش بنعمل تبرئه لمبارك من جرايمه , احنا بنشرح ازاي حماقة كلا من طنطاوي و السيسي كانت أضعاف اللي كانت لدي مبارك .

 

طنطاوي عمل استنزاف للاحتياطي النقدي اللي كان موجود قبل الثورة , كنوع من العقاب الجماعي للشعب اللي تجرأ و ثار علي حاكمه , و السيسي يقوم بتوريط الأجيال القادمة في أزمات اقتصادية رهيبة , عن طريق الديون الغير محدودة اللي بيتعامل معاها , و المشاريع البالونية اللي بيعملها , واللي ملهاش اي اساس علمي او اقتصادي , وغير قائمة علي اي دراسة جدوي زي ما هو قال بنفسه .

 

الوضع الإقتصادي حاليا مخيف , ومتوقع يكون أسوء في السنوات القادمة , في خطوات حمقاء لتدمير كل أساس الإقتصاد المصري اللي بيعاني أصلا , واللي متوقع يدخل في نفق مظلم بسبب اللي بيحصل . .

 

مظلة المعاناة الإقتصادية بقت أوسع ,  ضمت تحتها حاليا أغلب فئات المجتمع , من فقراء او متوسطي الدخل او حتي ذوي الدخل المرتفع نسبيا , موظفين او حرفيين او تجار , وأصبح الجميع يعاني بالفعل , وبالطبع بنسب متفاوتة . .

 

و نقول مرة تانية , ان الأزمة ديه , مش بسبب الثورة نفسها , لكن نتيجة انتكاس الثورة ورجوع الحكم مرة تانية في يد الجلادين , واللي استمرو في عمل عقاب جماعي للشعب بسبب ثورته علي حكامه . . 

 

------------------------------------------------------------------------------------------

 

المحور الخامس : وحدة المجتمع . . .

 

وده أكتر محور مؤلم . .

 

بالفعل حصل تفسخ في المجتمع , خاصة في عهد طنطاوي و مرسي و بدايات عهد السيسي .

 

الاختلافات السياسية اللي هي في الأساس شئ صحي و مطلوب , تم ترجمتها لصراع صفري بين الأقطاب السياسية , وانتقال من الغرف السياسية الي ساحات الشوارع , ومن جروبات الفيسبوك الي الحواري و الأزقة , ومن التراشق بالكلام , للتراشق بالمولوتوف والحجارة .

 

بدأ الاختلاف مبكرا من أيام استفتاء 15 مارس , ولأن الشعب المصري حديث عهد بالديمقراطية و التعددية السياسية , فمكانش قادر يتفهم مبدأ : اني اختلف معاك بس تفضل حبيبي , كان التعامل بأسلوب , من ليس معنا فهو علينا . .

 

الإعلام كان له دور خسيس في صب الزيت علي النار , مما أوقد نيران الفتن في العديد من الأماكن , بين مسلم و مسيحي , بين اخواني و ليبرالي , بين سلفي و يساري , بين مؤيدي ابو الفتوح و مؤيدي حمدين , بين مؤيد لمرسي و كاره ليه , اشتعلت الحرائق سريعا , وحصدت الأرواح وأسالت الدماء .

 

لكن وقوع الإنقلاب , وظهور الوجه الحقيقي له بعدها بشهور , صنع نوع من الإفاقة لشباب الثورة اللي كانو علي صراع مع بعضهم البعض , كما أن استمرار الحماقات المعهودة للسيسي , عملت التئام للجروح القديمة بشكل ما ,  و صار هناك اتفاق عام علي أهمية إسقاط السيسي , لكن مع اختفاء خريطة واضحة للتنفيذ  . .

 

------------------------------------------------------------------------------------------

 

أخيرا . .

 

في الذكري الثامنة للثورة , منقدرش الا اننا نقول : إنها كانت أجمل حاجة حصلت في مصر في السنين الأخيرة . .

 

وثق ان اولادنا هيشكرونا بعد سنين طويلة , اننا بدأنا معركة الحرية اللي محتاجة سنين . 

 

الرسالة التالية

bottom of page