top of page

حصاد الثورة

left_back_arrow_blue.png
25 حصاد الثورة.jpg
8888.png

الرسالة السابقة

العنوان : حصاد الثورة

القسم: #السياسي

الرقم: 25

السؤال:

 

كل ما افتكر الشهدا اللي راحو في خمسة و عشرين يناير احس بالندم اني شاركت في الثورة و اقول ياريتها محصل خالص والناس ديه متموتش

 

انا كدة صح ولا غلط

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

 

شوف يا سيدي . .

 

فيه فرق بين الإحساس بالندم , والإحساس بالحُزن . .

 

الإحساس بالندم بيكون علي قرار غلط انت اتخذته , وعرفت بعدها انه مش صح وظهرت نتايجه السلبية . .

 

الإحساس بالحزن بيكون علي قرار صح انت اتخذته , لكن – رغما عنك – ليه آثار سلبية انت مش عارف تتحكم فيها , فانت تشعر بالحزن من اللي حصل , لكن مش ندمان علي اتخاذ القرار . .

 

وكأن الخط الفاصل بين الشعور بالندم  , والشعور بالحزن , هو إنك تسأل نفسك , لو رجع بيا الزمن لقبل ما اعمل الحاجة ديه , يا تري كنت برضه هاعملها ولا لأ . .

 

لو انت قلت لأ طبعا مكنتش هاعملها لو رجع بيا الزمن , يبقي ده شعور بالندم  وإنت من جواك حاسس إنه كان قرار غلط من البداية . .

 

لو قلت أيوة كنت هعملها طبعا – حتي لو هتعمل عدد من التغييرات في الوسائل – يبقي ده شعور طبيعي بالحزن , والقرار في أصله كان صح . .

 

فلو ان شخص مثلا حزين علي العدد الكبير من الضحايا في حرب 73 (يقال إنهم فوق الـ 25 ألف جندي و مدني) , فالشعور اللي عنده , هو شعور بالحزن مش الندم , هو حزين علي الضحايا و الشهداء لكن مش ندمان علي القرار اللي كان مهم جدا , ولو رجع بيه الزمن قبل الحرب كان برضه أيد الفكرة. .

 

بينما لما تفتكر الأعداد الكبيرة من الضحايا المصريين في حرب اليمن سنة 1962  , هتعرف إنه كان قرار أحمق من البداية في الزج بنخبة الجيش المصري في حرب أهلية ملناش دور فيها  , و كان دور الجيش المصري هو صب المزيد من الزيت علي النار , فده شعور بالندم من الأساس , ولو رجع بينا الزمن لقبل الحرب اليمنية , كنا رفضنا المشاركة فيها . .

 

لابد الفرق يكون واضح بين ده وده ,  لأنها هتفرق كتير  . .

 

-----------------------------------------------------------------------------------------

 

طيب ماذا عن ثورة 25 يناير , يا تري دلوقتي نحس بالندم  علي المشاركة فيها (يعني كان القرار غلط من البداية) , ولا بس بالحزن علي الشهداء اللي راحو (يعني القرار كان صح ) . .

 

إياك تشعر بالندم علي ثورة يناير , , ثق إنها أجمل حاجة عملها المصريين في العصر الحديث , وإنها هتكون كرة الثلج اللي هتعمل تغيير شامل في مستقبل مصر و العالم العربي . .

 

لازم تبص لقدام , مش للفترة الحالية المؤقتة – اللي هي بالفعل أكتر ظلام من عهد مبارك – بص للمستقبل كمان 30 سنة من دلوقتي . .

 

ثق إن ثورة يناير , بدأت سلسلة من التفاعلات السياسية و المجتمعية و التربوية , واللي جعلت مصر ما قبل يناير 2011 , مختلفة بالكلية عن مصر بعدها , وان عقارب الساعة مش هترجع لورا أبدا , حتي لو كنا حاليا عايشين في عهد مظلم . .

 

ولو هنتكلم عن حصاد الثورة بعد 8 سنين من تدشينها وحتي الآن , فممكن نحط ايدينا علي أهم تلات حاجات احنا شايفين إنها عملت تشكيل لوعي المجتمع في السنين الأخيرة , كسر حاجز الخوف , الثقة بالنفس , والوعي السياسي . .

 

--------------------------------------------------------------------------------------

 

  • كسر حاجز الخوف

 

وهي الكلمة المكررة و المستهلكة بكثرة في أغلب أدبيات الثورة , لكن هي حقيقة و واقع , ولن نمل من تكرارها . .

 

اللي عاصرو الست سنوات ما بين 1976 و 1973 هيعرفو كويس قيمة كلمة : حاجز الخوف , هو بالفعل حاجز مش قليل , شئ نفسي رهيب . .

 

زي ما اسرائيل قدرت تصنع الحاجز ده في قلوب العرب بعد انتصارها المدوي في 1948 , و الضربة المؤلمة في 1956 , و الإجتياح الكاسح في 1967 , فكان يهمهم جدا إن كل مواطن مصري يكون قدامه حاجز نفسي هائل , يمنعه من مجرد التفكير في تحدي تل أبيب , لغاية لما اتكسر الحاجز ده في 1973 . .

 

نفس الفكرة في عصر عبد الناصر و السادات و مبارك , كانت السلطة العسكرية دايما بتصنع حاجز وهمي كبير , يخلي أساسا فكرة تحدي السلطة الشمولية او إسقاطها هو من الخيال , عشان كدة 90 % من اللي شاركو في ثورة يناير هما الشباب اللي كان اقل من 30  سنة . .

 

متنساش ان أغلب الفئات العمرية الأكبر , كان لازال عندهم الحاجز النفسي الكبير ده , انت اتجننت ؟ انت فاكر انك هتوقع مبارك بالمظاهرات  ؟ مهما عملت مش هتعرف تعمل حاجة , انسي يا ابني اي تغيير يحصل مستحيل , وكل الكلام التثبيطي اللي كان بيتقال لنا لما بنروح التحرير . .

 

كسر حاجز الخوف هو بالفعل من أهم مكتسبات ثورة يناير , أيوة دلوقتي الظلم علي إيد السيسي أضعاف ما كان علي أيام مبارك , بس كمان مقدار هيبة الحاكم في قلوبنا والخوف منه , أقل بكتير من ما كانت عليه أيام مبارك . .

 

ده لو انت مش شايف له نتائج حالية فانت نظرك ضعيف , ديه حاجة بتحتاج سنين من التراكم و التفاعل لغاية لما تعمل نتيجة إيجابية حقيقية , ووقتها طوفان الثورة مش هيرحم أي ظالم .

 

----------------------------------------------------------------------------------------

 

  • الثقة بالنفس

 

الشعور ده بالغ الأهمية , وأكتر حاجة الشعوب محتاجاها , وكمان أكتر حاجة الأنظمة الديكتاتورية خايفة من انتشارها بين الشعوب . .

 

لأن أول ما تحس إنك قادر تهزم الظالم اللي قدامك هتقوم عليه فورا وهتدمره , أول ما تتأكد إنك قادر علي تحقيق نجاح , هتنتظر ايه ساعتها ؟

 

و دايما أي نظام ديكتاتوري , بيعمل علي بث روح الإحباط و اليأس و التخاذل بين الناس , عشان ينسو فكرة انهم يقدرو يقاوموه  . .

 

و متنساش ان بعد تنحي مبارك , انتشرت شائعات مختلفة بشكل مستمر , إن كل اللي حصل تخطيط أمريكي , كل ده من عمل الجيش , اللي حصل من 6 ابريل و الإخوان , شائعات عديدة و بشكل مستمر , وهدفها الأساسي تدمير روح الثقة بالنفس عند المواطن البسيط , وإنه يؤمن إن هو فاشل و ان هو معملش اي حاجة حقيقية , وبالتالي تموت عنده أي روح حقيقية لإعادة الثورة من جديد . .

 

--------------------------------------------------------------------------------------

 

  • الوعي السياسي

 

نسبة قد ايه من الشباب في التمانينات و التسعينات كانو متابعين الأوضاع السياسية في البلاد ؟ ؟  قد ايه منهم كان بيشارك في الانتخابات , واللي وقتها كان فيها مساحة من الحرية و النزاهة مقارنة بالوقت الحالي ؟ ؟ كام واحد فيهم استوعب التغيرات اللي حصلت في الدستور في 1971 ايام السادات , او سنة 2005 أيام مبارك ؟ ؟

 

الحقيقة ان الأجيال السابقة و لغاية انطلاق الثورة , كان الوعي السياسي و الإهتمام بدهاليزها مقتصر علي النخبة من المجتمع , علي فئات قليلة من المثقفين المهتمين , بينما كان السواد الأعظم من الشعب بيدور في ساقية الحياة و الشغل و الزواج و الوظائف لغاية الوصول للقبر . .

 

الشعب الصري وقتها كان أشبه بالشعب الصيني في الوقت الحالي , كل اللي قدامه التعليم و الشغل و الزواج و الحياة و خلاص , انسي بقي كل حاجة عن الحكومة و الموازنة و فوائد الديون وتعويم العملة و صفقات السلاح و التغييرات في الحكومة و التعديل في الدستور , كل المصطلحات ديه كانت بس قاصرة علي نخبة من المثقفين . .

 

بينما دلوقتي الوضع مختلف فعلا . .

 

من الشباب الصغيرين , للفئات الأقل تعليم , لربات البيوت , لطلاب ثانوي , ولغاية بياع البطيخ علي ناصية الشارع , كل منهم عنده مقدار ما من الوعي السياسي , واللي انتشر بشكل غير محدود نتيجة رخص أسعار التليفونات المحمولة + انتشار وسائل التواصل الإجتماعي . .

 

ده غير إن البلاد في حالة حِراك سياسي لا يهدئ من لحظة انطلاق قطار الثورة في يناير 2011 , لا يكاد يمر شهر الا و تحصل حاجة جديدة متعلقة بالسياسة . .

 

انتشار الوعي السياسي ده شئ صح جدا , ومن عوامل نهضة الأمم , ومن الحاجات اللي بتجعل الشعوب تعرف تاخد حقها . .

 

صحيح إن فيه مفاهيم غلط كتير , وفيه قناعات غير صحيحة مترسخة عند كتير من فئات الشعب , لكن الزمن بيعمل تصحيح بشكل مستمر للمفاهيم الغلط ديه . .

 

--------------------------------------------------------------------------------------

 

النقط التلاتة اللي قلناهم , كلها من فئة "المدي الطويل" , يعني من الحاجات اللي بتعمل تأثير حقيقي خلال سنوات و عقود , مش خلال اشهر و أيام . .

 

أنا عارف ان الصورة مؤلمة حاليا , بس دايما اتعود تبص لقدام مش تحت رجليك ,  متنساش ان الحملات الصليبية استمرت فوق الـ  400 سنة , من القرن الـ 11  لغاية القرن الـ 15 , وظل فيه تدافع و حراك سياسي و عسكري بين الصليبيين و المسلمين , لو حد كان عايش وقتها و عدي عليه 8 سنين مظلمة زي اللي عدو علينا من 2011 لغاية دلوقتي,  كان شعر باليأس الرهيب . .

 

رحم الله شهداء ثورة يناير العظيمة مرورا بكل الضحايا اللي بيتساقطو لغاية النهاردة  , لعن الله من تسبب في إراقة دمائهم  . .

 

الرسالة التالية

bottom of page