العنوان : مشاكل مع أبي

 القسم: #الاجتماعي

الرقم: 54

السؤال:

 

سلام عليكم يا ادمن

 

عندي 19 سنة في اولي كلية وبيني و بين ابويا مشاكل كل يوم تقريبا هو بخيل شوية و مش عايز يديني مصروف عدل زي باقي الناس فانا نزلت اشتغل بالليل و في الصيف عشان اعرف اصرف علي نفسي

 

كذا مرة بازعق فيه وهو ضربني علي وشي قدام اخواتي و امي و من ساعتها حلفت ما انا مروح البيت

 

مش عارف اعمل ايه و مش عايزه يغضب عليا وكمان مش عايز افضل كدة عايش شحات وانا عارف ان هو غني وربنا فاتحها عليه من شغله

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة  :

 

وعليكم السلام و رحمة الله

 

أخطاء متراكمة من استخدام أساليب غير مناسبة في التربية , وسوء التعامل مع الأطفال ,  و غياب الوازع الديني , و صحبة السوء , هي ما تصنع مثل هذه المآسي . .

 

و غالبا ما تتراكم عدد من الأخطاء السلوكية التي هي بسيطة طالما كانت كلا علي حدة , لكن تتجمع معا فتصنع هذه المشكلة  , واللي احيانا بتنتهي بمأساة أكبر من مشكلتك الحالية . .

 

من هذه الأخطاء ما يقع علي كاهل الأب , ومنها ما يقع علي كاهل الابن المراهق . .

 

فمن أخطاء الأب :

​

• ابتعاده عن مشاكل ابنه المراهق

• فشله في التوازن بين تقطير الأموال له , و الأسراف فيها

• تجاهل وجود كيان خاص , بفكر مختلف  و خطط أخري للابن  المراهق , والإصرار علي التعامل معه علي أساس أنه ابن 3 سنوات

• اختفاء المرونة في التفكير , او الإعتراف بالخطأ , أو مهارة الشد والجذب حينما يتأزم الموقف

 

و من أخطاء الابن   :

​

• صحبة السوء , وهي أساس كل المصائب .

• الطموح المستمر , لسقف يعلو إمكانيات الاسرة المتاحة .

• الانانية المفرطة , في تجاهل و نسيان أولويات أخري للإنفاق  .

• قصر النظر في كثير من الأمور الحياتية , بنظام (احييني النهاردة و موتني بكرة) .

• العناد الأحمق , خاصة فيما يصاحب شهواته و رغباته (حتي لو كانت حلال) .

• بذرة التحدي و الانتقام , والتي تبزغ في هذا السن الحرج , ويفاجئ الأب بها , وأنها موجهة إليه بالتحديد .

• غياب الوازع الديني و الأخلاقي , والذي يلزم بخفض جناح الذل من الرحمة ,حتي لو أمروك بالكفر بالله  .

 

هتلاحظ إن كل خطأ من أخطاء الأب أو الإبن , هو بسيط في حد ذاته  ,ويمكن علاجه , وهو لوحده مش أزمة كبيرة , لكن تراكمات أكتر من خطأ من الطرف ده و اكتر من خطأ من الطرف التاني , بيصنع مشكلة كبيرة , يصعب حلها , و يستحيل في بعض الأحيان . .

 

كل نقطة من النقط السابقة محتاجة صفحات لشرحها و تحليلها و الكلام عنها و علاجها , وبالطبع المكان لا يتسع  للأمر ده , فهنحاول نلخص الكلام في سطور . .

 

---------------------------------------------------------------------------

 

نبدأ بالأب . .

 

لأن كتير من الآباء العرب , بيخافو دايما من إن ابنه ينشأ نشأة فيها دلع أو "مياصة" فهو بيشد علي ابنه (الذكر بالتحديد) خاصة من ناحية الفلوس , عشان هو مؤمن إن الفلوس الزيادة في ايد العيل هي سبب كل المصايب . .

 

وغالبا الأب ده نفسه نشأ بنفس الطريق , يعني جدك برضه كان قارص عليه بالفلوس , أو هما كانو فقرا أساسا  , فاقتنع ان المبدأ السابق هو صحيح بلا جدال , ولازم يتم تطبيقه فورا

 

و إن كان المفهوم ده فيه جزء كبير من الصحة , فلابد إنه يتم ضبطه مع خطوات تانية , وموازنات أخري مع بعض , مش إنه يطبقه وهو مغمض عنيه . . 

 

لأن التطبيق الصارم للمفهوم ده , وإن كان بيؤتي ثماره مع بعض الأبناء , فمش مضمون إنه يكون ذو نتيجة مضمونة مع الجميع . .

 

كمان اختلاف الزمن و محدداته عامل مش قليل , زمان علي ايامهم كان فيه رقابة و قيود حقيقية من الأسرة , إنما  دلوقتي بـ 500 جنيه تجيب موبايل مستعمل , تشوف بيه الدنيا كلها , من غير أي قيود او حدود . .

 

و بالتالي تطبيق المبدأ القديم , ممكن يكون صح , لكن لما يتوازن مع حاجات تانية , وهي إن الطفل لو شعر بالحرمان , هتقلب معاه عقدة فورا , أو هيبدأ في معاداة الأب , خاصة لو كان الطفل عارف ان ابوه معاه فلوس . .

 

لابد هذا التحكم في كمية الفلوس اللي مع الطفل , تتوازن مع إنه ميشعرش بعقدة نقص , من اللي بيشوفه مع زمايله , خاصة لو الموضوع وصل لأساسيات زي هدومه أو أكله . .

 

كمان الأب غالبا بيغلط في حاجة مهمة . .

 

انه يتعامل مع الطفل لما يكبر علي إنه طفل , مجرد عيل بريالة , لسة كنا بنغيرله البامبرز اول امبارح  . .

 

النظرة المحدودة ديه هتجعل الأب يفاجئ إن ابنه بقي شخص مختلف تماما , صوته تخن , شنبه طلع  , بيعلي صوته علي ابوه , وبيكسر كلامه, بقي عنده خطط واولويات و رغبات معينة لابد من تلبيتها , وان متمش تلبيتها عن طريق أبوه , هيدور علي حد من اصحابه يديله فلوس , وأكيد مش هيكون ببلاش في الاخر . .

 

كلمة (رغباته) مش لازم تبقي حاجة وحشة , صحيح الشاب المراهق عنده رغبات تتعارض مع الدين او الخلق (سجاير , خمرة , بنات) لكن بعضها بيكون حاجات حلال و شرعية بس مش علي مزاج الأب . .

 

يعني ابنك المراهق عايز يلبس القيمص اللي ظهر بيه اكرم حسني في فيلمه الجديد , اشتريهوله يا سيدي , لا حرام ولا عيب , اعصابه هتهدي لما يلبسه , مش حرام والله . .

 

بنتك المراهقة دماغها نقحت عليها تعزم صاحبتها علي عيد ميلادها و تجيبلها تورتة ب 150 جنيه , مش كارثة يعني , مش مصيبة  . .

 

ابنك عايز يروح مرسي مطروح , بنتك عايزة تروح سيتي ستارز مع صاحباتها , و غيره من الرغبات العادية اللي لا تتعارض مع الشرع و لا الخلق , ومفيهاش أي مشاكل , باستنثاء انها مش جاية علي هوي الأب و الأم . .

 

مشكلة رفض الرغبات ديه , إنها بتولد عن ابنك او بنتك دهشة شديدة , طب ليه يا بابا , ايه اللي هيحصل يعني , ايه المشكلة ؟ ؟ و الدهشة ديه بتقلب بحيرة و غضب , وده بيعمل استنزاف كبير , لمقدار حبك عندهم . .

 

مهو لما بنتك تقولك انا عايزة اشتري بنطلون ضيق , وانت تقولها مش هينفع عشان حرام , فهي هتتفهم من جوة انك بتحبها و معندكش مشكلة تسعدها لكن ده حرام مش هينفع , نفس الموضوع لما ابنك يعوز يروح حفلة منيلة مع اصحابه. .

 

لكن لما حد من ولادك يطلب حاجة حلال , وسعرها معقول  ,فانت برفضك ليها بتقتل أي فرحة جواه , ومش هيفسرها إلا إنك بخيل, وانك بتتحكم فيهم من غير سبب  . .

 

و الاسوء – مع تكرار هذا السلوك منك –انهم هيتمنو ييجي اليوم اللي هما يسيبو فيه البيت , بالزواج او السفر , أو الأنكي يتمنو اليوم اللي انت تسيب البيت , يعني تموت . .

 

تخيل ان ولادك يبقو فرحانين لما انت تموت , لأن أخيرا هيقدرو يستمتعو بفلوسك اللي كنت حابسها عنهم , تخيل انك بتتغدي كل يوم مع ولادك اللي بيسالو نفسهم امتي بابا هيموت , ده بيحصل  , ان مكانش في عقلهم الواعي فهيكون في عقلهم الباطن . .

 

بعض الآباء بيكون وجهة نظره , اني مش عايز اضيع الفلوس في حاجات هايفة زي اللي هما عايزينها , لاني بوفرها ليهم في حاجات اهم , يعني انا لما بارفض الرغبات ديه , بيكون عشانهم برضه مش عشاني , ولما يكبرو يلاقو قرش يتسندو عليه . .

 

ديه وجهة نظر قاصرة , لأن ابنك لو نشأ علي إن الأب بخيل و بيحرمه من كل شئ , هيدمر فلوسه فورا اللي هيورثها منك علي تلبية سريعة لمتطلباته , وسد الجوع المفرط عنده تجاه عشرات الحاجات , بل انه ممكن يعيش طول حياته في فخ الديون , لأن عنده رغبات طفولية لم تشبع لغاية لما كبر , وبقي عنده عقدة نفسية مركبة , بسبب نمط المعيشة الغلط اللي انت صنعته . .

 

مش مطلوب توافق علي كل حاجة بيطلبها حتي لو حلال , والا هينشأ علي الدلع , لكن التوازن بين ما يرغب , وما هو متاح , عشان يتربي عارف ان الحياة مش سهلة  ,بس برضه مش جحيم  . .

 

حرام عليك تتحكم في حاجة زي كدة بسبب عناد منك , مش هيفيد باي شئ الا انه يكرههم فيك , من حقك انك ترفض اي شئ حرام او غير اخلاقي او هيأثر علي المذاكرة , وهما هيتفهمو ده , لكن مش من حقك انك ترفض حاجة ملهاش اي مشاكل زي كدة , انت كدة بتقتل كل الود اللي بينك و بينهم . . .

 

---------------------------------------------------------------------------

 

نوصل للابن (او البنت) . .

 

ان كنت قلت فوق كلمتين كويسين في حقك , فمينفعش خالص انك تعتمد عليهم في التعامل مع الوالد او الوالدة . .

 

يعني إن كان من واجب ابوك و امك عليك , انهم يلبو بعض الرغبات الحلال  , فانت متحاسبهمش علي ده , لكن حاسب نفسك بالآية في سورة لقمان (وإن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) . .

 

فبالتأكيد اللي أبوك أو أمك مانعينه عنك , لا يقارن بالكفر و العياذ بالله , وبالتالي زعيقك ليهم , او تشويحك , او تبصلهم ببرود , او تنفخ في الأرض , او تتكلم بلهجة حادة , او تنفض لما يرنو عليك , كل ديه مصايب مفيهاش هزار . .

 

الموضوع مش بس ديني , ده اجتماعي من الأساس , وبيضرب في البنية الاساسية للمجتمع , وهتعرف ده يوم ما يكون عندك ابن مراهق هيتف في وشك  , هتكتشف الموضوع مؤلم قد ايه . .

 

حتي ابوك لو ظلمك , اوعي تتضايق منه , حتي لو ضربك , اوعي تبطل تحبه , حتي لو شتمك , اوعي تبصله بنظرة وحشة , ابوك وامك هما طريقك للجنة و النار . .

 

الحاجة التانية ان كتير من طموحات الشباب دلوقتي , هي بالفعل اعلي من قدرة الاب علي التحمل , خاصة مع الظروف اللي انت شايفها في البلد , واللي مخلية كل واحد محافظ علي القرش اللي معاه , لانه مش عارف بكرة فيه ايه . .

 

فلما انت اصلا يكون عندك طموحات و رغبات و خطط  , وكلها عايزة ميزانية خاصة بيها , فحرام عليك انك تزود الشيلة اللي فوق دماغ ابوك , وهو مش ناقص . . 

 

---------------------------------------------------------------------------

 

نرجع للسؤال الأصلي . .

 

انت عايز فلوس , وابوك بيرفض , و انت زعقت في ابوك , وهو ضربك علي وشك , و انت حلفت ما انت داخل البيت تاني . .

 

هايل , ده سيناريو جميل , و الفصل الجاي هيكون يا إما تسرق عشان تعرف تعيش , يا إما تخش في سكة المخدرات واللي هتكون مهيئة جدا لواحد في ظروفك . .

 

لو كان ابوك غلط قيراط فانت غلطان 24 , لو كان هو ضربك من حبه ليه فانت زعقلته من كراهيتك ليه , لو كان هو بيحاول ينشئك نشأة سليمة من وجهة نظره , فانت أهنته و رجعتله الضربة في قلبه . .

 

انت دلوقتي علي أول طريق , آخرته جهنم واللعياذ بالله  , سخط الوالدين من الكبائر , ولو ابوك مات غضبان عليك مش هيشفعلك اي اعمال كويسة تعملها .

 

ارجع فورا البيت , اعتذرله وعرفه انك كنت غلطان , بوس ايديه , قوم و احضنه , واعرف ان هو طريقك للجنة , وإن العناد المتبادل مش هيوصلك الا للخسارة الدائمة . .

 

لا تتعامل مع ابوك معاملة ندية , ولكن (اخفض لهما جناح الذل من الرحمة) التذلل لا يكون إلا لله , واي ذل لأي بشري محرم فورا , باستنثاء الوالدين اللي لازم تتذلل لهم . .

 

كل يوم بيعدي والجو لسة مكهرب بيعمق المشكلة اكبر , حالا روح البيت و بوس علي ايده , ولو زعقلك استحمل معلش , وبص في الأرض , اي حل غير كدة هيكون مأساة . .