top of page

الرضا و السَخَط

left_back_arrow_blue.png
61 الرضا و السخط .jpg
8888.png

الرسالة السابقة

العنوان : الرضا و السَخَط

القسم: #النفسي

الرقم: 61

السؤال:

  

عاوزة اسئل عن الرضا

 

انا أوقات كتير مش بكون راضية عن نفسى عن شغلى عن حياتى عموما  بقارن نفسى باللى حواليا دايما

 

مثلا فى شغلى انا بشتغل كويس وبضمير بس دايما بحس ان المقابل المادى اللى بخده اقل من تعبى  وطبعا بفضل اقارن بين اللى معايا انهم مش بيشتغلوا زيى ومرتبهم أعلى

 

دايما شايفه ان حياة غيرى افضل منى  مع انا ماديا ممكن اكون افضل منهم وساعات بيستلفوا منى اساسا  لكن عدم الشعور بالرضا ده بيجيلى اوقات كتير مع انى مؤمنة جدا ان محدش عنده كل حاجه وان ربنا موزع ارزقنا بالتساوى

 

بس معرفش ليه الاحساس ده موجود

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

 

أهلا بيكي . .

 

مفهوم الرضا عن النفس , من المفاهيم اللي بتغيب أهميتها عن بالنا , علي الرغم من تأثيرها الكبير في عدد من نواحي حياتنا . .

 

الرضا عن النفس بيكون عن طريق تنفيذ شئ محدد , وهو  : مدي تحقيق الأهداف المطلوبة . .

 

لو عملتي قياس بالتعريف ده , هتلاقي إنه بالفعل هو اللي بيحدد بشكل دقيق كمية الرضا عند الشخص تجاه شئ معين .

 

-----------------------------------------------------------------------------------

 

فلو إن شخص مجتهد و بيذاكر , وظهرت نتيجة الامتحانات بدرجات عالية , ومجموع كبير  , فهيتواجد عنده كمية كبيرة من الرضا عن النفس , طالما اتحقق الشئ اللي كان عايزه .

 

لو بنت بدأت نظام غذائي محدد  , وحاولت الالتزام بكميات و أوقات من الأكل و ممارسة الرياضة , وبالفعل خلال عدد من الشهور قدرت تخسر كتير من وزنها , فهيكون عندها رضا تام عن نفسها في النقطة ديه . .

 

لو شاب اجتهد في رمضان انه يحافظ علي القيام كل ليلة , ويجتهد في قراءة كمية أكبر من القرآن و التصدق و صلة الرحم , ووجد انه بالفعل نجح في تحقيق أغلب اللي كان مخطط له , فهيتواجد عنده رضا عن نفسه . .

 

و العكس كمان , لو الشخص الأول فوجئ إن درجاته اقل من اللي كان يطمح ليه , لو البنت شافت انها بتفشل بشكل مستمر في النظام الغذائي , لو الشاب وجد انه مقدرش يحقق حتي ربع اللي كان مخطط له في رمضان , فطبيعي ان كلا منهم يكون عنده مشاعر سلبية تجاه نفسه , ومفيش اي شعور بالرضا . .

 

وحتي الأمثلة "الشاذة" هي تتماشي مع نفس التعريف , لو فيه شاب مجتهد جدا في المذاكرة و جايب درجات عالية , بس لسة مش راضي عن نفسه , فده لأن هدفه اللي رسمه في ذهنه عالي جدا , وكذلك العكس , لو شاب فاشل معتاد الرسوب , ومعندوش اي شعور بالضيق او الغضب , فده لان اصلا الأهداف اللي في ذهنه بعيدة عن التفوق و النجاح . .

 

-------------------------------------------------------------------------------------

 

كذلك في المفهوم الأشهر للرضا , وهو الرضا بما قدر الله لنا , وبالنصيب و القضاء و القدر . .

 

حتي المفهوم ده , هو متعلق بشكل ما بنفس التعريف اللي قلناه : مدي تحقيق الأهداف المطلوبة . .

 

فلو إن شخص أهدافه متعلقة بالفلوس او المنصب او الجاه , وحصل له شئ معين بحيث ضاعت فلوسه , او خسر منصبه , او اختفي الجاه من حوله , فطبيعي إنه يتصدم و يشعر بالسخط المستمر , لأن ده كان كل أهدافه . .

 

بينما سلمان الفارسي رضي الله عنه , لما ضحي بكل فلوسه عشان يقدر يهاجر و يلحق بالرسول صلي الله عليه وسلم , لم يشعر بأي نوع من الضيق , لأن أساسا الأموال لا تمثل عنده هدف في ذاتها . .

 

لو شخص متعلق بابنه تعلق غير محدود , وربنا ابتلاه بوفاة ابنه , فانهار الشخص ده , ومقدرش يصبر علي قضاء ربنا , فده لأن هدفه في الدنيا هو التمسك بابنه . .

 

بينما لو شخص تاني بيحب ابنه نفس القدر من المحبة , لكن هو صبر و رضي بقضاء الله , فالسبب إن هدفه في النهاية هو إنه يلحق بيه في الجنة , وبالتالي لم يشعر بالغضب لموت ابنه , وشعر بكمية معقولة من الحزن , لكن من جواه عارف ان ربنا هيبدله الخير في الدنيا و الآخرة . .

 

لابد يكون قدامك مفهوم الرضا من البداية , عشان تكوني عارفة انتي عايزة ايه .

 

---------------------------------------------------------------------------------

 

ودايما بيكون فيه خلط بين نوعين من الرضا : الرضا بالمستوي الديني , والرضا بالمستوي الدنيوي  . .

 

الرضا بالمستوي الدنيوي , واللي هو ببساطة : إن الشخص يكون راضي عن حياته الدنيوية , راضي بمستواه المادي , راضي بشكله و مقدار جماله او وسامته , راضي بالظروف المحيطة بيه . .

 

يعني باختصار , راضي بقضاء الله حيثما كان . .

 

أما الرضا بالمستوي الديني , معناه انه يسعي بكل طاقته لتحصيل أعلي منزلة من العبادة و التقوي , وانه يسابق باقي المسلمين في طريق الجنة . .

 

و هنا لازم نقول شئ بالغ الأهمية , إن الرضا بالدنيوي ليه شكلين , شكل إيجابي مطلوب , وشكل سلبي لابد من تجنبه . .

 

الشكل الإيجابي , اللي زي ما قلنا , الرضا بما قسم الله للشخص , من غير ما يتذمر أو يسخط  علي أي مصيبة تحصل له . .

 

لكن بالتوازي عليه إنه يسعي عشان يطور نفسه , ويحصد درجات علمية أعلي , ومستوي اجتماعي افضل , بل و دخل مادي أعلي . .

 

الشكل الإيجابي المطلوب ان الشخص يوازن بين , إنه من ناحية راضي تماما بأي شئ ربنا يقدره ليه , ومش هيسخط او يتذمر , حتي لو كل شئ انهار مرة واحدة , بالتوازي مع إن هو كشخص يسعي بكل الطرق عشان يرتقي في المستوي المادي و الاجتماعي و العلمي . .

 

أما الشكل السلبي المرفوض , ان الرضا عند الشخص تساوي السلبية و التراخي و قتل الطموح , وإنه يظن إن الرضا بقضاء الله معناها انه يفضل مكانه , ويدور في نفس الإطار الضيق اللي هو فيه , لا يسعي للتطور او الارتقاء في الدرجات المادية او الاجتماعية . .

 

الرسول صلي الله عليه و سلم , والصحابة الكرام , علمونا إننا لابد نجمع بين أمرين مختلفين في نفس اللحظة , من ناحية اننا نسعي للنجاح الدنيوي و العلمي و المادي و الإجتماعي , ومن ناحية اننا نكون مستعدين نضحي بيها فورا و بالكامل , اول ما تتعارض مع أمر من أوامر ربنا . .

 

و الصيغة المركبة ديه , تم تلخيصها في دعاء جميل : اللهم اجعل الدنيا في يدي , لا في قلبي . .

 

يعني الشخص يسعي بكل الطرق انه يجمع اموال و مناصب اجتماعية عالية , وبالتوازي بالطبع مع الالتزام الكامل بمنهج الله  والتمسك بعبادته سبحانه , بالإضافة ان هو يكون حاطط في باله , ان لو فيه لحظة كل "الصرح الهائل" من النجاح الدنيوي ده , لو انهار لأي سبب , انه ميتضايقش ولا يغضب , لأنه في النهاية ده قدر الله . .

 

ديه المعادلة الصعبة اللي لازم نتعلمها , عشان نقدر ننفذها , وهي بالفعل محتاجة مجهود ووقت عشان نقدر نتقنها . .

 

وأغلب الغلطات اللي بتتعمل , إن الشخص يتجاهل الجزء الأول او الجزء التاني . .

 

يتجاهل الجزء الأول , يعني انه يتكاسل تماما عن المذاكرة او البحث عن عمل مناسب , او  تعلم شئ جديد , او تطوير نفسه , باعتبار إن هو "راضي بقضاء الله و مش عايز حاجة من الدنيا" , طبعا ده كلام فاضي , واصلا ده انسان ماشي عكس منهج الرسول صلي الله عليه و سلم . .

 

او يتجاهل الجزء التاني , ان هو يكون بيسعي بشكل غير محدود خلف أهدافه (تفوق , أموال , منصب اجتماعي , دراسات عليا , وظيفة مرموقة) , بس بشكل غير سليم , فيطمس أثناء محاولاته الإطار الديني و الخلقي , وينسي أساسا إن كل الأمور ديه بيد الله سبحانه , وفي نفس الوقت لو فقد اي نجاح هو عمله  ,انه يشعر بالغضب الرهيب و السخط المتنامي , ويكون لسان حاله بيقول : ليه يا رب . . و طبعا ديه صورة مرفوضة , وفيها تحطيم لكل القواعد و الأسس السليمة  . .

--------------------------------------------------------------------------------

 

طيب خلينا نقول عدد من النصايح المهمة اللي هتفيدك في تحقيق التوازن الصعب بين المفهوم الأول و التاني . .

 

 

  • من الحاجات اللي هتساعدك في الشعور الدائم بالرضا علي حالك و وضعك (من غير ما يحصل تكاسل او سلبية) , هو تخيل اختفاء نعم ربنا عليكي . .
 
لو بس مسكتي ورقة و قلم , وحاولتي تعدي نعم ربنا , مش هتقدري بالفعل , طب لو بس كتبتي منهم 100 نعمة , و مسكتي واحدة واحدة , وتخيلتي اختفاءها تماما , شوفي وقتها حالك هيكون عامل ازاي . .
 
مش هقولك النعم المشهور : السمع و البصر , هقولك نعمة التعليم , نعمة انك نشأتي في أسرة و غيرك اتولد في الشارع , نعمة ان عندك عقل عملك توجيه لطريق سليم و غيرك في احضان المخدرات , نعمة ان عندك صحة نفسية و غيرك بتعاني من الأوتيزم , نعمة انك اتولدتي في القرن العشرين , مش في القرن الـ 17 لما الطاعون كان بيقتل الملايين في أوروبا , آسيا . . . .
 
امسكي بس شوية نعم و تخيلي اختفاءها , وبعدها قومي و بصي في المراية , هتجدي انك "غرقانة" في نعم غير محدودة , بس انتي مش واخدة بالك  لأنك اتعودتي عليها

 

 

 

  • اتعودي علي المقارنة مع الأقل منك دنيويا . .
 
و هي كأنها امتداد للنقطة الأولي , أول ما ييجي في بالك مقارنة بينك و بين واحدة بتقبض أعلي منك , فورا بصي لواحدة بتقبض ربع مرتبك و بتشتغل ضعف وقتك , لما تبصي لوحدة أجمل منك , شوفي واحدة تانية تتمني يكون عندها 10 % من جمالك , لما تغيري من واحدة معاها عربية محصلتش , افتكري ان فيه واحدة تانية علي كرسي متحرك بتعاني عشان بس تروح "دورة المياه" . .
 
دايما اتعودي تبصي للي بيعانو , وللي مستواهم أقل منك , وقتها هتشعري بكمية غير محدودة من السعادة و الرضا و الطمأنينة , اياكي تبصي كتير لفوق , عشان فعلا رقبتك هتوجعك , وهتعيشي في سخط دائم

 

 

 

  • اجعلي لكل شئ وزنه الحقيقي . .
 
فاكرة لما بعض الأنصار رضي الله عنهم , شعرو بنوع من الضيق اثناء توزيع الغنائم بعد غزوة حُنين , لما وجدو ان فيه ناس حديثو عهد بالإسلام أخدو كميات كبيرة من الإبل , بينما هم الانصار كان نصيبهم أقل . .
 
فلما عرف الرسول صلي الله عليه و سلم اللي فكرو فيه , جمعهم و خطب فيهم الخطبة المشهورة , وقالهم بالنص "أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت قوما ليسلموا  ووكلتكم إلى إسلامكم " , الرسول صلي الله عليه و سلم أطلق علي مئات الإبل و الغنائم "لعاعة من الدنيا" , واللعاعة في اللغة يعني : شربة الماء , او السراب , شوفي ازاي الرسول علمنا اننا نضع لكل شئ ميزانه الحقيقي . .
 
لابد يكون عندك ميزان سليم للأمور , عشان علي اساسها تقدري تقيمي نفسك , وتعرفي انتي ماشية في الطريق بشكل سليم ولا لأ . .
 
 وبالتالي لابد تعملي تغيير في "النضارة" اللي بتشوفي بيها الأمور , و تحطي ميزان دقيق للقيمة الحقيقية للفلوس و المنصب و العربية وهكذا . .
 
لازم توجهي سهام "غيرتك" تجاه واحدة متوفقة عليكي في العلم , متفوقة عليكي في الاجتهاد , في التدين , في الخلق , لكن إن قارنتي بين نفسك و بين واحدة أجمل , او أغني , او مشهورة اكتر , فانتي محتاجة تعملي تعديل في البوصلة عندك

 

-------------------------------------------------------------------------------------------

 

خليني اختم معاكي الكلام , بالحديث الجميل اللي رواه الترمذي . .

 

 

قال رسول الله صلي الله عليه و سلم " إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ "
 
روشتة جاهزة  و واضحة , وفيها العلاج الكامل , من رضي بقدر الله , رضي الله عنه , ومن سخط علي ما قدر الله له , فله السخط , ربنا يحفظنا

 

الرسالة التالية

bottom of page