
العنوان : السودان تنتفض – 1
القسم: #السياسي
الرقم: 16
السؤال:
ياريت تشرحلنا سريعا ايه اللي بيحصل في السودان وياتري ديه ثورة حقيقية ولا بالفعل فيه تدخلات من السعودية او ايران و ايه علاقة قطر بالحوار ده كله
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
الحديث عن السودان مش هينفع يكون حديث سريع رغما عني , لأن السودان من أغني الدول العربية بالأحداث السياسية المتعاقبة , وبتوالي الحكومات و الإنقلابات و التغييرات الشاملة في النظام الحاكم . .
كمان الشعب السوداني من أكتر شعوب العالم العربي إهتماما بالسياسة و النظام الحاكم , بالفعل يندر إنك تلاقي نسبة كبيرة من الشعب بتتناقش في قضايا سياسية عميقة زي ما تلاقيها في الشعب السوداني . .
فهنضطر نقسم الإجابة علي مرتين , نتناول هنا لمحة من تاريخ السودان , وفي الجزء التاني الواقع المعاصر في الأيام الحالية . .
متنساش إن الشعب السوداني عمل ثورتين شعبيتين حقيقيتين سنة 1964 , وسنة 1985, واللي لو تم تقييمهم بشكل موضوعي و حقيقي , هتلاقي انهم قد يتفوقو علي ثورات الربيع العربي في تغلغلها في المجتمع , و نضجها السياسي , وحسن إدارتها و تنظيمها . .
للأسف الإعلام المصري العنصري من سنين طويلة , جعلنا ننظر للمواطن الأسود علي إنه "عثمان" أو "إدريس" البواب اللي مش بيفهم حاجة , بينما هما سبقونا من سنين طويلة في فهم المعني الحقيقي لتحرر الشعوب من الطاغية , في الوقت اللي كان الشعب المصري بيهتف لعبد الناصر بعدم التنحي بعد ما كسر أنف الشعب والجيش في 1967 . .
لو عايز رد مختصر : فاللي بيحصل في السودان مظاهرات عنيفة و احتجاجات غاضبة , نتيجة التردي الغير معقول في الحالة الإقتصادية , و المستوي المذهل في الفقر اللي وصلت ليه البلاد . .
هل فيه قوي أقليمية بتساعد علي تأجج نيرن الغضب , وارد جدا , ولو ده موجود , فهو لا ينفي إنها احتجاجات حقيقية ناشئة من قلب الشعب السوداني . .
هل هتتحول لثورة شعبية شاملة تطيح بالطاغية البشير ؟ ؟ , وارد , ممكن أيوة و ممكن لأ , لأن الجماهير العربية بشكل عام نفسها قصير , و جيوشها غشيمة , و جنودها لديهم بكمية لا تنتهي من الغباء الأعمي , واللي تجعلهم مستعدين لإبادة نصف الشعب , عشان يحكم الطاغية النصف التاني . .
ديه كانت الإجابة المختصرة , أما التحليل التفصيلي , فلازم نرجع بالتاريخ سنين طويلة عشان نقدر نلقي الضوء علي اللي بيحصل حاليا . .
-------------------------------------------------------------------------------------
لغاية نصف القرن العشرين , ظل السودان تحت إدارة الجيش الإنجليزي , وبالتوازي معاه الجيش المصري في بعض السنوات , لغاية لما البرلمان السوداني عملت تصويت بالإجماع علي الانفصال سنة 1951 .
وبعدها بسنوات , وبالتحديد في ديسمبر 1955 , تم الإعلان الرسمي عن استقلال السودان , وبدأ السودان في استقبال العهد الديمقراطي الأولي في عمره السياسي . .
و زي ما قلنا من شوية , السودان من أكتر البلاد العربية تنوعا في الحياة السياسية , و كفاية إنك تعرف انه تأرجح خلال 65 سنة , في 6 أنواع من الحكم السياسي . .
بدأ بحكم ديموقراطي , تلاه انقلاب عسكري , ثم ثورة شعبية أزاحت الطاغية , ثم انقلاب عسكري عنيف , ثم ثورة شعبية شاملة , وأخيرا انقلاب عسكري غاشم , واللي موجود لغاية اللحظة الحالية . .
الجدول الزمني باختصار للحكم السياسي في السودان كالتالي :
الحكم الديموقراطي : لمدة 4 سنين (1954 - 1958)
الحكم العسكري : لمدة 6 سنين (1958 - 1964)
الحكم الديمقراطي : لمدة 5 سنين (1964 - 1969 )
الحكم العسكري : لمدة 16 سنة (1969 - 1985)
الحكم الديمقراطي : لمدة 4 سنين (1985 - 1989)
الحكم العسكري : لمدة 30 سنة (1989 – حتي الآن )
تخيل لما بلد يعاني من تغيير شامل لنظام الحكم لمدة 6 مرات خلال 65 سنة , ويكون فيها ثورتين حقيقيتين , و ثلاث إنقلابات عسكرية عنيفة , طبعا ده عمل تضييع لأي فرصة حقيقية للتنمية او الاستثمار في الشعوب , خاصة إن مجموع السنوات اللي تمتع بها السودان بالديمقراطية , تقريبا 13 سنة , مقابل 52 سنة حكم عسكري ديكتاتوري . .
ولابد إننا نمر سريعا علي اللي حصل خلال السنوات ديه , عشان نقدر نربط الأحداث ببعضها . .
في المرحلة الأولي وهي الحكم الديمقراطي (1954 - 1958) تم تعيين حكومة أغلبها من المدنيين , برئاسة "اسماعيل الأزهري" لمدة سنتين , وبعده "عبد الله خليل" لمدة سنتين كمان , واللي وصلو بانتخابات من أوائل الانتخابات اللي كانت موجودة في العالم العربي . .
إلا إن الفريق إبراهيم عبود , معجبهوش ان الشعب السوداني يعيش في دولة ديمقراطية مستقرة , فعمل انقلاب عسكري سنة 1958 , ومسك البلاد بقبضة من حديد لمدة 6 سنين , لغاية سنة 1964 , وديه كانت المرحلة التانية (الحكم العسكري) . .
ابراهيم عبود كان علي علاقات وثيقة بالأمريكان , و يقال إن انقلابه كان بدعم كامل من واشنطن و الرئيس الأمريكي "دوايت ايزينهاور" لكسر شوكة عبد الناصر اللي كان صوته عالي في الوقت ده, وعايز يرمي اسرائيل في البحر .
إلا إن حماقة ابراهيم عبود في التعامل مع مشاكل جنوب السودان , جعلت المثقفين و الطلاب الجامعيين في أنحاء السودان ينتفضو في ثورة اكتوبر 1964 , واللي سرت شُعلتها سريعا وسط طوائف المجتمع السوداني , بدعم من حسن الترابي (اللي كان شاب في هذا الوقت) و العديد من الأحزاب الأخري . .
و مع مقتل أحد الطلاب الجامعيين و اسمه "أحمد القرشي" تحول الغضب لإصرار علي إزالة النظام , خاصة مع موجات التحرر والاستقلال اللي سادت المنطقة العربية في الوقت ده . .
ومن الواضح ان "ابراهيم عبود" أحس إن المقاومة لن تكون مجدية , فاختار انه يرحل بهدوء , وتم اختيار "سر الختم الخليفة" رئيسا للوزراء , و كانت ديه أول ثورة شعبية حقيقية في العالم العربي و نجحت في إزالة طاغية و تمكين الشعب . .
احنا كمصريين مش عايزين نضحك علي نفسنا , اللي حصل في يوليو 1952 مش ثورة لكن انقلاب , الشعب صحي الصبح لقي الدبابات محاصرة قصر عابدين و فاروق بيلطم من اللي بيحصل , ده في علم السياسة اسمه انقلاب مش ثورة . .
وياريت كان محمد نجيب هو اللي مسك الحكم , كان هيسلمه للمدنيين زي ما كان عايز , لكن إصرار عبد الناصر علي التمسك بالحكم هو اللي صنع بمصر الوضع المزري الحالي . .
-------------------------------------------------------------------------------------
نرجع للسودان , بعد ثورة 1964 بشهور , قامت انتخابات في صيف 1965 , وفاز فيها حزب الأمة السوداني , وكان المستشار "محمد أحمد المحجوب" هو أول رئيس وزراء في العهد الديمقراطي التالت للسودان , تلاه "الصادق المهدي" , ورجع تاني "المحجوب" لغاية صيف 1969 , واللي كان نهاية المرحلة التالتة الديمقراطية من الحياة السياسية السودانية , قبل ما يأتي انقلاب عام 1969 , و اللي أدخلها المرحلة الرابعة العسكرية المظلمة . .
في مايو 1969 , فوجئ الشعب السوداني بانتهاء عصر الديمقراطية , لما اتجهزت دبابات الجيش للاستيلاء علي الحكم المدني , و سمع الشعب بيان العقيد "جعفر النميري" وهو بيؤكد استيلاؤه علي السلطة , وبعدها رقي نفسه لرتبة لواء , وبعدها مشير . .
وبالطبع زي أي إنقلابي , كان عنده عدد من الاسباب المقنعة لإنقلابه , وهي نفس الديباجة المحفوظة "لإنقاذ البلاد من سيطرة القوي الاستعمارية , و بناء مجتمع ديمقراطي حديث و . . . " , وبالطبع وعدهم بانتخابات ديمقراطية نزيهة و نفس الاسطوانة هي هي . .
وكمان زي أي إنقلابي , لا عمل إنتخابات , ولا كان في نيته انه يسيب الحكم , وظل متمسك بالكرسي من سنة 1969 , لغاية 1985 , يعني 16 سنة كامة عاني فيها السودان العذاب المستمر . .
و للتحكم الكامل في مفاتيح الدولة , كان بيعمل نوع من الضبط بين التيارين الأساسيين في المجتمع السوداني , وهم الإسلاميين واليساريين , ففي بداية حكمه كان أكتر مستشاريه و معاونيه من اليساريين , إلا إن بعد سنوات , بدأ يترك المجال أكتر للإسلاميين لعمل ضبط سياسي , وعشان ميجعلش فيه قوة سياسية تناطحه في الحكم , نفس المبدأ اللي عمله السادات في بداية السبعينات عشان يقوض النفوذ الناصري في المجتمع المصري . .
و في عهده ازداد لهيب الحرب الأهلية السودانية الأولي , واللي استمرت لمدة 17 سنة بين الشمال و الجنوب , و أزهقت أرواح فوق النصف مليون قتيل من الطرفين , لغاية لما انتهت سنة 1972 , باتفاقية أديس أبابا . .
وفي آخر عهده , اشتعلت نيران الحرب الأهلية السودانية التانية , واللي بدأت سنة 1983 , واستمرت 22 سنة لغاية 2005 , وهي تعتبر أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا , واللي حصدت ما يقرب من الـ 2 مليون قتيل بين الشمال و الجنوب . .
و في السنوات الأخيرة من حكمه , بدأت تلوح في الأفق بوادر الثورة الشعبية الثانية , واللي زلزلت عرش جعفر النميري . .
-------------------------------------------------------------------------------------
البدايات كانت سنة 1982 , مع إضراب الأطباء , تلاه فورا إضراب القضاة , ولما نجح الإضرابين , وكان فيه مشاركة شعبية حقيقية , بدأت نقابات المهن الصحية بالدعوة لإضرابات شاملة , واللي استمرت لأكتر من سنة و نصف . .
في مارس سنة 1985 كانت مدن "الخرطوم" , "عطبرة " , "الأبيض" تغلي بشكل غير مسبوق , خاصة لما اضطر النميري للسفر لأمريكا للعلاج هناك بشكل عاجل . .
وفي فترة غيابه عن السودان , وخلال الاسابيع الحرجة في مارس و ابريل , انتشرت عدوي التظاهر و الإضراب بشكل جنوني في الشارع السوداني , بعد معاناة 16 سنة من الحكم الديكتاتوري الجبري , وهو يحن لأيام الحكم الديمقراطي اللي تمتع بيه في المرتين السابقتين , الاولي قبل انقلاب ابراهيم عبود ( 1954 - 1958) , والتانية قبل انقلاب النميري (1964-1969). .
ولأن النميري كان في الولايات المتحدة , فاتجهت الأنظار بالكامل لأكبر 3 قوي مسلحة في البلاد : الجيش السوداني , الشرطة السودانية , و جهاز أمن الدولة . .
أول من اتخذ قراره , كان جهاز أمن الدولة , برئاسة اللواء عمر الطيب , واللي أصر علي دعم النميري بكل قوته , و بالفعل عمل المستحيل لقمع المظاهرات , واعتقال قياداتها , إلا إن كل جهوده ذهبت هباء , لانتشار الثورة في أنحاء البلاد . .
بالنسبة للشرطة السودانية فهي كانت مقسمة بشكل فيدرالي (يعني كل ولاية لوحدها ), و هنا ظهر اسم الفريق "ابراهيم عبد الكريم" مدير شرطة الخرطوم , واللي أيقن أن مركب النميري بتغرق بالفعل , فاتخذ قرار بعدم التعرض للمتظاهرين , وعدم المساس بهم , والوقوف علي الحياد . .
وهنا اشرأبت الأعناق للقوة الثالثة , والأهم , والأكثر خطورة : الجيش السوداني . .
قادة الجيش طوال فترة التظاهرات التزمو بالحياد , لم ينضمو للشعب , ولا دافعو عن الرئيس , في انتظار رؤية مصير الأحداث . .
و هنا ارتفع صوت "عبد الرحمن سوار الذهب" وزير الدفاع السوداني , و اللي شاف بعينيه إن أي رهان علي النميري , هو إدخال البلاد في حرب أهلية عنيفة , وهو وأد لرغبة الشعب السوداني في العيش بحرية . .
فاتخذ القرار الحاسم , إن القوات المسلحة السودانية هي في صف الشعب , وأن النميري ليس له مكان في السودان , وان الشعب هو من سيحكم . .
و المفارقة ان النميري وقتها كان يطير بأقصي سرعة تسمح بها طائرته الرئاسية من الولايات المتحدة للسودان , عشان هو عارف إن رجوعه للبلاد فورا هي الفرصة الأخيرة له للبقاء في الحكم , لأنه هيقدر يحرك الجيش و الشرطة لإبادة المظاهرات , و وأد الثورة . .
إلا أن "سوار الذهب" أعلن في الإذاعة السودانية خلع الرئيس النميري , وأن الشعب هو من سيحكم , في اللحظة اللي الطائرة كانت في الجو بالفعل , وقبل وصولها لمطار الخرطوم بساعات قليلة . .
و لما عرف النميري وهو في الطائرة بانقلاب الأوضاع , كان الحل الوحيد إنه يطلب الهبوط في مطار القاهرة , بعد طلب موافقة حسني مبارك علي استضافته , لأنه كان عارف إن رجوعه للخرطوم حاليا معناها إعدامه فورا . .
وافق مبارك علي استضافة الطاغية المخلوع النميري , ليس حبا في شخصه , لكن ذعرا من نجاح فكرة ثورة شعبية يؤيدها جيش الدولة فيقومو بخلع الديكتاتور , مبارك وقتها (1985) كان في الحكم من أربع سنوات بس , و كان مرعوب إن شرارات الثورة السودانية تصل للقاهرة , فتقوم بخلعه زي ما خلعت النميري , أو إن جماهير الشعب المصري تهتاج مشاعرها لما تري مثال عملي ناجح في جيرانهم السودانيين , فيفكرو في تكرار التجربة في مصر . .
استضافة مبارك للنميري , كانت للبحث المتأني عن طريقة لوأد الثورة السودانية , وقتلها في مهدها , قبل ما تكون مثال يحتذي به في الـ 22 دولة عربية . .
شايفين ازاي السودان سبقت باقي الدول العربية بثورتين حقيقيتين , وانتخابات نزيهة رائعة , وتعددية حزبية مدهشة . .
شيافين كمان ازاي التاريخ بيكرر نفسه بدقة ؟ ؟ بعد الحادثة ديه بـ 26 سنة , وبالتحديد في يناير 2011 , هرب "بن علي" بطيارته علي أمل إن الأوضاع تستقر مؤقتا , ولما عرف إن تم خلعه بالفعل , استضافه "عبد الله بن عبد العزيز" في جده , خوفا من تكرار تجربة تونس في دول تانية . .
وبالتالي "عبد الرحمن سوار الذهب" أعلن نجاح الثورة السودانية , وأنه كوزير للدفاع لا يرغب بحكم البلاد , وأنه سيدير فترة انتقالية مؤقتة , لغاية لما يتم عمل انتخابات نزيهة . .
------------------------------------------------------------------------------------
والعجيب ان سوار الذهب صدق في وعده , بالفعل أمسك مقاليد الحكم حوالي 10 شهور , لغاية لما الأحزاب استعدت بمرشحيها , وأقيمت انتخابات وصفت إنها الأفضل في تاريخ السودان , وفاز حزب الأمة بما يقارب من 40 % من مقاعد البرلمان , تلاه الحزب الاتحادي الديمقراطي . .
و بالفعل تم اختيار مرشح حزب الأمة "الصادق المهدي" كرئيس للوزراء , و "أحمد الميرغني" رئيس للسودان . .
متنساش ان "الصادق المهدي" , هو نفسه اللي كان رئيس للوزراء في فترة الديمقراطية التالتة في السودان , سنة 1965 . .
وبدأت البلاد تاخد نفسها تدريجيا , بدأ يحصل تطوير تدريجي في البنية التحتية , بقي فيه حرية أكبر في الرأي و الرأي الآخر , والتعددية الحزبية , وبدأ السودان يكون مثال محتذي بيه , كالبلد العربي الوحيد اللي كان يتمتع بنظام ديموقراطي حقيقي , وازاي الشعب عنده القدرة علي اختيار حاكمه , ومحاسبته علي كل صغيرة و كبيرة . .
لكن للأسف , لابد للعسكر أن يفسدو كل جميل , ويعكرو كل صفو . .
وبالفعل ده اللي حصل , بعد 4 سنين بس من الحياة الديمقراطية في السودان . .
تحركت دبابات عمر البشير , لتنفيذ ما أسماه "ثورة الإنقاذ الوطني" في صيف 1989 . .
حسن الترابي مواليد 1932 , وهو مفكر سياسي و ديني , حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة الخرطوم , ثم الماجيستير من جامعة اكسفورد في انجلترا , ثم الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس .
وتم تعيينه عميدا لكلية الحقوق بجامعة الخرطوم , ثم وزيرا للعدل ,ثم وزيرا للخارجية , ثم رئيسا للبرلمان . .
أما عن فكره السياسي , فقد انضم الترابي لجماعة الإخوان المسلمين في السودان , وصار المراقب العام لها في فترة ما (زي منصب المرشد العام للجماعة , لكن في دولة السودان) . .
و لكن في السبعينات حصل صدام بين الرئيس النميري و الأحزاب السياسية كافة , فاتخذ الترابي (اللي كان وقتها المراقب العام للإخوان في السودان) قرار بحل جماعة الإخوان في السودان , وده اللي صنع خلافات حادة بين عدد كبير من أعضاء و قيادات الإخوان في السودان , وبين الترابي , ان مش من حقك تحل الجماعة , وان ده تطبيل يتماشي مع هوي الطاغية النميري . .
إلا إن الترابي أصر علي موقفه , وبعدها بسنوات أسس ما يسمي "الجبهة الإسلامية القومية" اللي المفترض انها تحمل فكر الإخوان , إلا أن العديد من افراد و قيادات الإخوان لم يعترفو بيها , وقالو ان احنا أبرياء من الترابي و من فكره و حزبه , وإن الترابي لا يمثلنا . .
حتي إن الترابي لاحقا , أصدر عددا من الكتب الفقهية المثيرة للجدل , وأطلق عدد من الفتاوي المدهشة , زي إن من حق المرأة إمامة الرجل في الصلاة , وإن أغلب أحاديث علامات الساعة غير صحيحة . .
وفي سنة 1989 , كان حزب "الجبهة الإسلامية القومية" بقيادة الترابي أحد الأطراف التي صنعت الإنقلاب العسكري علي الديمقراطية الوليدة , وجاء بـ : عمر حسن أحمد البشير , رئيسا للسودان . .
وبالرغم من إن الجبهة الإسلامية القومية , والترابي و عمر البشير , بالرغم من إن ثلاثتهم ليسو من الإخوان , ولا حتي لهم توجه إسلامي حقيقي , إلا إن صفة الإخوان التصقت بهم للأبد , وصار عمر البشير يوصف بإنه "رئيس انقلابي إخواني" من وقتها و حتي اليوم . .
و تم الإنقلاب بنجاح , وأطيح بالنظام الديمقراطي الوليد , واصطبغ النظام الديكتاتوري الجديد بالصبغة الإسلامية لتحسين مظهره , ورفع شعارات الدين و الكتاب الله كنوع من غسيل آثاره السياسية . .
وبعد شهور قليلة , انقلب السحر علي الساحر , وتمكن عمر البشير من الإنقلاب علي أعوانه من حزب الجبهة الإسلامية نفسه , وسجن قياداتها , وأولهم مؤسس الحزب : حسن الترابي نفسه . .
فيما بعد , حصل نوع من التصالح بين البشير و الترابي , وصار الترابي من المقربين للبشير . .
وتمكن البشير من الإمساك بتلابيب الحكم في السودان بشكل حاسم , وبالطبع ألغي جميع المظاهر الديمقراطية ,وصنع حكم شمولي ديكتاتوري يرسخ فيه بقاءه للأبد . .
ده كان ملخص سريع للتاريخ السياسي للسودان , المراحل الستة اللي مر بيها : ديمقراطية فانقلاب فديمقراطية فانقلاب فديمقراطية فانقلاب . .
أما عن الحال السياسي الراهن في السودان , فهنعمل له استكمال في الرسالة القادمة , اللي بعنوان: السودان تنتفض – 2