top of page

السودان تنتفض – 2

left_back_arrow_blue.png
17 السودان تنتفض - 2.jpg
8888.png

الرسالة السابقة

العنوان : السودان تنتفض – 2

القسم: #السياسي

الرقم: 17

السؤال:

  

ياريت تشرحلنا سريعا ايه اللي بيحصل في السودان وياتري ديه ثورة حقيقية ولا بالفعل فيه تدخلات من السعودية او ايران و ايه علاقة قطر بالحوار ده كله

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

ده هو النصف التاني من الإجابة التفصيلية للسؤال , ياريت الأول تقرأ النصف الأول في رسالة : السودان تنتفض - 1

 

 

عشان نقدر نتكلم عن الحال السياسي الحالي للسودان , , لازم نتكلم بالتفصيل عن 3 محاور هامة . .

 

المحور السياسي , والعسكري , والاقتصادي . .

 

لو هنبدأ بالمحور السياسي , فالبشير حاول بسذاجة اللعب علي أوتار السياسة العالمية , وهي ما صنعت حوله عزلة كاملة . .

 

وأكبر خطوة متهورة قام بيها , هي استضافته لأسامة بن لادن , سنة 1990 , يعني بعد شهور قليلة من إنقلابه و إمساك البشير للحكم . .

 

صحيح إن بن لادن في أواخر التمانينات كان علي وفاق مع العالم الغربي وواشنطن و الرياض , لدعمهم فكرة الجهاد  ضد التدخل السوفيتي في أفغانستان  , إلا إن في أوائل التسعينات , بقي من الواضح ان في عداء مستحكم بدأ ينشأ بين بن لادن من ناحية  , والدول اللي دعمته في البداية من ناحية تانية , وكان علي بن لادن إنه يجد له مكان يستقر فيه , ويدير تنظيم القاعدة الوليد . .

 

و بالفعل استقر في السودان , بعد دعوة من حسن الترابي , و موافقة عمر البشير , دخل بن لادن بملياراته , وأسس أكبر معسكر جهادي في الشرق الأوسط , واللي كان له تأثير فيما بعد في صناعة عدد الأعمال ضد الولايات المتحدة , زي تفجير السفارة الأمريكية في كلا من كينيا و تنزانيا , سنة 1998 , وتفجير السفينة الحربية الأمريكية (USS Cole) بالقرب من السواحل اليمنية , سنة 2000  , وبالطبع أحداث 11 سبتمبر 2001 . .

 

الوفاق بين البشير و بن لادن مستمرش كتير , وبالتحديد لغاية 1996 , لما البشير قلب علي بن لادن , بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا , واللي قيل ان تنظيم القاعدة كان له يد فيها بشكل ما . .

 

و بداية من سنة 1988 , بدأ السودان في فصل مؤلم و صعب عليه , وهي فرض العقوبات الأمريكية و الحصار عليه واللي استمرت 29  سنة كاملة , لغاية سنة 2017  . .

 

والعقوبات في البداية كانت بسبب استضافة قيادات تنظيم القاعدة وأولهم بن لادن , وبعدها استمرت بسبب الحرب الأهلية مع الجنوب , والمجازر اللي تسبب فيها البشير في دارفور و غيرها  . .

 

ومشكلة العقوبات إن تأثيرها كان علي الشعب , مش الحكومة ولا النخبة , قيادات الحكومة كانو منعمين في ملايينهم اللي مش هتخلص , لكن الشعب اللي عاني معاناة غير مسبوقة ,  و انخفض سعر صرف الجنيه السوداني للحضيض , و انتشر الفقر بشكل غير معقول . .

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

كل ده كان المحور السياسي , فماذا عن المحور العسكري ؟ ؟

 

الرئيس البشير لما عمل انقلاب , كانت الحرب الأهلية السودانية اشتعلت بالفعل من 6 سنوات قبل انقلابه (1983) , واللي كان مواطنين مدنهم الجنوب (زي جوبا , واو , مالاكل , بوما ), مصرين علي الانفصال من السودان , لاختلاف الديانة , واختلاف اللغة ,و اختلاف الثقافة , والأهم : التعامل العنصري معاهم , وان هما مش واخدين أي حق من حقوقهم , مع إن أراضيهم فيها أغلب ثروات السودان . .

 

و بالفعل اشتعلت الحرب لسنوات طويلة  , الجيش الوطني السوداني , بالتعاون مع تنظيم "جيش الرب للمقاومة" وهم من المتمردين الأوغنديين , في حرب ضروس ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان , بقيادة العقيد "جون جرنج" , واللي كان مدعوم بالكامل من الرئيس الأوغندي "يوري موصيفني" , العدو الأشد للبشير . .

 

و استمرت الحرب لمدة 22 سنة , التهمت الأخضر و اليابس , وقتل فيها ما يزيد عن 2 مليون مواطن , أغلبهم من المدنيين , غير موجة النزوح الهائلة اللي عمت عدد من الدول الأفريقية هروبا من نيران الحرب الأهلية  . .

 

وقرب نهاية الحرب وبالتحديد في 2003 , اشتعل النزاع في دارفور كامتداد للحرب الأهلية السودانية , واللي يقدر عدد قتلاه بأكتر من ربع مليون قتيل من الطرفين . .

 

و بسبب أزمات الحرب الأهلية , والمجازر المستمرة , تم إدراج البشير كمجرم حرب  , و تم تعميم إسمه كمطلوب للمحكمة الدولية , وبالفعل من وقتها وعمر البشير لا يتجرء علي السفر الا لدول محدودة , وهو عارف انها لن تسلمه للمحاكمة الدولية . .

 

الحرب الأهلية انتهت أخيرا في 2005 , مع توقيع اتفاق السلام في نيفاشا , واللي نص علي ان جنوب السودان من حقه عمل استفتاء علي الانفصال بعد 6 سنين من لحظة توقيع الاتفاق , وبالفعل في 2011 تم عمل الاستفتاء , وكان التصويت باكتساح لصالح الانفصال , وصارت جنوب السودان دولة مستقلة من وقتها . . 

 

السودان كمان لم يسلم من انتهاك سيادته و أرضه أكتر من مرة . .

 

ففي صيف 1998 , وفي حين كان فريق المحاميين الخاص بـ "بيل كلينتون"  ,  بيعملو المستحيل عشان يشوفو حل للورطة الخاصة بيه في أزمة "مونيكا لونيسكي" , انطلقت عدد من الصواريخ "بحر- أرض" من أحد السفن الأمريكية في البحر الأحمر , عشان تقصف "مصنع الشفاء للأدوية" , في الخرطوم بحري , واللي تم تدميره تماما . .

 

واشنطن تحججت إن المصنع بيساهم في تصنيع "غاز الأعصاب" المحرم دوليا , لمساعدة تنظيم القاعدة , وصدام حسين , إلا إن كل المؤشرات كانت تشير للتغطية علي فضيحة مونيكا , ولكسب شعبية أكبر في قلوب الأمريكان . .

 

تدمير المصنع تسبب لاحقا في مفاة عشرات الآلاف من المرضي السودانيين , واللي كانة معتمدين علي الأدوية المنتجة منه , زي ما وصف السفير الألماني في الخرطوم "فيرنر دفام" . .

 

وفي أبريل 2011 , قطع الطيران الحربي الإسرائيلي اكتر من 1200 كيلو متر في الجو , عشان يقصف  احد الأهداف في مدينة بورسودان  , بدعوي إنها كانت تمركز افراد و سلاح خاص بحركة المقاومة الإسلامية "حماس". .

 

بعدها بشهور , في اكتوبر 2012 , قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مصنع اليرموك للصناعات الحربية والذخائر ,  جنوب الخرطوم , بنفس الحجة السابقة .

 

بعدها بـ 3 سنوات , في مايو 2015 , كرر الطيران الإسرائيلي غاراته علي مصنع للطائرات في مدينة أم درمان

 

ملف سياسي مخزي للبشير , وحافل بالصفعات المتتالية للسيادة الوطنية   . .

 

-----------------------------------------------------------------------------------------

 

ماذا عن الملف الإقتصادي . .

 

وهو أكتر الملفات ألما و معاناة للشعب السوداني الصابر . .

 

و تكالب علي هذا الملف ثلاث ضربات مؤلمة , صنعت هذا الوضع المؤلم . .

 

الملف الأول : الحصار العالمي

الملف الثاني : انفصال الجنوب

الملف الثالث : الفساد الغير معقول

 

 

زي ما ذكرنا من شوية , الحصار العالمي , والعقوبات الأمريكية  , كانت نتاج استضافة البشير لبن لادن , و قيادات القاعدة , وإقامة عدد من معسكرات "الإرهاب" علي الأراضي السودانية . .

 

و لما أذعن البشير لطلبات "بيل كلينتون" وطرد بن لادن , لاح في الأفق الحرب الأهلية السودانية , وظهرت أصوات استغاثة الأطفال و النساء في دارفور , وهم يقتلون بأيدي جنود البشير .  .

 

و هنا استمرت العقوبات الأمريكية اللي فرضت من سنة 1988 , و لمدة سنين طويلة حتي يتم تجفيف منابع الإرهاب , علي حد اعتقاد الاتحاد الأوروبي وواشنطن . .

 

لكن اللي جف للأسف كانت عروق الشعب السوداني , وبطونهم , وجيوبهم , ومستشفياتهم , ومخازنهم الغذائية . .

 

العقوبات و الحصار اللي كان المستهدف بيها الضغط علي الحكومة , صارت سلاح مشهور ضد الشعب , واللي عاني الأمرين , بينما البشير و حكومته بيستمتعو بهواء التكييف البارد في صيف السودان , وتمتلئ بطونهم بالطعام في حين لا يجد الشعب الفتات . .

 

-----------------------------------------------------------------------------------------

 

أما الملف التاني : انفصال الجنوب , فهو أسوء . .

 

لأن في التسعينات , بدأ السودان يكتشف الثروات النفطية الهائلة في أراضيه , وبدأت الشركات الصينية و الروسية في إنشاء المنصات الضخمة , فوق آبار البترول  العديدة , وبدأت السفن تتحرك في تصدير البترول من بورسودان , وبدأت ملايين الدولارات في التدفق للخزانة السودانية , و بدأ الجنيه السوداني في الإنتعاش , وبدأ الاقتصاد في التحسن تدريجيا . .

 

و بعدين ؟

 

مع اقتراب الموعد المحدد لاستفتاء انفصال جنوب السودان , البشير كان مرعوب إن مواطني الجنوب يختارو الانفصال , لأن أكتر من 80 % من آبار البترول , تقع في جنوب السودان , وبالقرب من بحر الجبل , و الوراب , وبحر الغزال . .

 

و انفصال جنوب السودان معناه ضياع  السواد الأعظم من الثروة ديه , ومعناه سيطرة  الجمهورية الوليدة بأغلب آبار البترول , وبالطبع حرمان الخرطوم منها . .

 

و في 2011 , تحققت كوابيس البشير . .

 

فوجئ إن استفتاء الانفصال كانت نتيجته كاسحة لصالح الانفصال عن  السودان , 98% من المواطنين في الجنوب اختارو انشاء دولة مستقلة , بقيادة "سالفا توري" , واللقب بـ "سالفا كير ميارديت" . .

 

انفصال جنوب السودان كانت صفعة مؤلمة علي وجه البشير , اللي جعل نهر الدولارات اللي كان متجه للخرطوم , يتدفق لـ "جوبا" عاصمة جنوب السودان . .

 

و هنا رجع التقشف و الفقر مرة تانية للشعب السوداني المضطهد , و انهار الجنيه السوداني مرة تانية , وساءت الأحوال أكتر . .

 

-----------------------------------------------------------------------------------------

 

أما الملف التالت الخاص بالفساد , فهو شئ له العجب  . .

 

فيكفي انك تعرف ان ترتيب السودان عالميا بالنسبة لمؤشر الفساد هو : 175 , من أصل 180 دولة , يعني هي بالفعل من أكثر 5 دول فساد علي مستوي العالم . .

 

السرقات و الرشاوي و المحسوبيات هو شئ رسمي و معترف بيه بشكل لا يصدق . .

 

التهريب المستمر لأطنان الذهب المكتشف من مناجم وادي حلفا و عطبرة و جنوب كردفان , بيتم تهريبها بشكل مستمر عبر تشاد و افريقيا الوسطي و اريتريا , واللي بيهربو علي علاقات وثيقة بالحكومة , و بيتقاسمو الارباح معاهم . .

 

تجد ان المستشفيات الحكومية تعاني من نقص حاد من الحد الأدني للمقومات المطلوبة لأي مستشفي , وبالتالي رغما عنها بتعمل تحويل للعمليات الهامة للمستشفيات الخاصة , زي مستشفي الزيتونة الخاص , وهو في الأساس مملوك لوزير الصحة "مأمون حميدة" . .

 

تخيل لما يكون وزير الصحة , يتملك مستشفيات خاصة , واللي بيتم التحويل لها اجباري من المسشفيات الحكومية , يبقي يا تري هيكون في  مصلحته إصلاح المستشفيات الحكومية  ؟ ؟

 

السودان عاني من مستوي غير معقول من الفساد , واللي جعل الوضع الإقتصادي تحت الصفر , وبالطبع الوضع التعليمي و الصحي والغذائي . .

 

الجنيه السوداني تحول سعر صرفه  لما يقرب 70 جنيه مقابل الدولار , في حين كان فقط بـ 4 جنيهات للدولار من سنوات معدودة . .

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

طب والوضع الحالي ؟ ؟  ثورة حقيقية  ؟ ؟ وهل فيه دور للخليج فيها سلبا أو إيجابا ؟ ؟

 

أيوة , الوضع الحالي ثورة حقيقية , انتفاضة شعبية كاملة , خاصة بعد ما عدد من النقابات أعلنت تأييدها للثورة المباركة , لكن مش عارفين هل هتقدر تستمر و تكسر أنف الطاغية ولا لأ . .

 

الخوف ليكون البشير اتعلم الدرس اللي سقط فيه النميري , لما كان الجيش علي الحياد , ثم في صف الثوار , لو كان البشير ذكي فهو هيكون عمل استمالة كاملة لضباط الجيش تجاهه , بحيث يهتفو باسمه هو مش اسم السودان , يعني يكون مثال تاني من جيش السيسي , مش الجيش المصري , او جيش بشار , مش الجيش السوري . .

 

لو كان البشير اتعلم من أخطاء غيره , فللأسف أتوقع ان الصراع هيطول , وان الغلبة هتكون للقوة مش للشجاعة , وان السودان قد تتحول لنموذج ديكتاتوري زي مصر  , او نموذج دموي زي سوريا , او نموذج نصف اصلاحي زي تونس . .

 

ولو الجيش اختار صف الشعب , فاتمني تكرار سيناريو "سوار الذهب"  مرة تانية  , وان يأتي من يتقي الله في الشعب و في الناس , ويسلم السلطة للمدنيين . .

 

طب ماذا عن الخليج ؟ ؟

 

موقف قطر محير ومدهش  , وهو موقف دنئ من غير نقاش , مفيش اي مبرر او عذر  إن "حمد" يؤيد البشير علانية بالشكل الوقح ده , وده بالطبع خصم جزء لا يستهان به من مصداقيته عند الشعوب العربية  . .

 

 و ده كمان باين في التغطية الهزيلة للجزيرة علي الانتفاضة في السودان , اللي لا تقارن بـ 10 % من تغطيتها لمقتل خاشقجي , علي الرغم من بشاعة الجريمة الاولي , وأهمية الحدث التاني . .

 

طب هل فيه تفسير محتمل لموقف قطر المخزي ؟ ؟ ؟ ؟       

 

أقرب الاحتمالات , إنه نكاية في موقف السعودية و الإمارات , واللي بشكل ما بتؤيد الثورة في السودان . .

 

طب ليه الرياض و أبو ظبي تؤيدها ؟ ؟

 

لأن البشير من أيام قليلة , كسر عزلة بشار الأسد , وكان أول رئيس عربي يزوره في دمشق , و يعطيه الشرعية من جديد . .

 

التقارب السوداني – السوري , له دلالة واضحة للتحالف السعودي  - الإماراتي , لأن معروف ان بشار هو أقرب المقربين لإيران و نظام الملالي في طهران , وهي اللي أصلا بتضخ السلاح و الأموال بشكل مستمر لجماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن , واللي كسرو أنف الجيش السعودي و الإماراتي و التحالف العربي بالكامل . .

 

فكون إن البشير يتجرء بزيارة بشار الأسد في دمشق , فهي رسالة غير مباشرة لكلا من بن سلمان و بن زايد , ان السودان قد يخلخل التحالف العربي بالذهاب للمحور الايراني – السوري .

 

كمان متنساش إن الجيش السوداني هم الوقود الأهم في التحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن , وأغلب القتلي و المصابين في الحرب تكون في صفوف الفيلق السوداني , لأن بيتم وضعهم دايما في المقدمة . .

 

فالبشير بيحاول مرة تانية انه يلعب علي حبال السياسة , انه يجذب ود طهران , ويناوء الرياض , فانقلب السحر علي الساحر , وها هو يدفع الثمن . . 

 

--------------------------------------------------------------------------------------

 

تاريخ مؤلم , وكفاح عظيم , وشعب مثابر , و طاغية مستبد , وثورة قد تحقق أهدافها  . .ده باختصار الوضع الحالي في الأراضي السودانية

 

الرسالة التالية

bottom of page