top of page

نفسي أكون شهيد

left_back_arrow_blue.png
15 نفسي اكون شهيد.jpg
8888.png

الرسالة السابقة

 

العنوان : نفسي أكون شهيد
القسم: #الديني
الرقم:  15
السؤال:

من وانا صغير ولما قرأت عن فضل الشهيد , وما يراه في كرامات في الموت و القبر والبعث و الحساب  وانا بتمني اكون شهيد كنت باحلم اني احارب اسرائيل عشان استشهد و ادخل الجنة

دلوقتي مش عارف اعمل ايه   لا احنا في زمن الصحابة و الغزوات ولا فيه حرب نقدر نشارك فيها عشان  استشهد حاسس إني معنديش الفرصة اني انال شرف الشهادة

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة  :

 

المشاعر اللي انت حسيت بيها , هي نفسها اللي حس بيها عشرات الآلاف من الشباب لما كانو بيحفظو القرآن و هما صغيرين , وقلوبهم اتملت بالشوق والحنين لرضا الله تبارك و تعالي , والطمع في جنته , ده مش بس الجنة , ديه الفردوس الأعلي منها , وتكفير كل الذنوب و كل المبشرات اللي ذكرت في أكثر من آية و حديث . . 

و بعد مرور سنوات , تختلف الطرق بالناس , وتتشعب السبل بيهم في مسالك الحياة المختلفة , و يختفي تدريجيا حلم الشهادة من القلوب , لعدم وجود سبيل مباشر و متاح لها . . 

 

و بالطبع ده مش سليم . . 

السبيل موجود و متاح بس محتاج اللي يدور عليه . . 

انت قلت في آخر رسالتك انك حاسس ان معندكش فرصة للشهادة , الكلمة ديه بتطعن في العدل الرباني للكون , و لجميع الخلق , و اللي أعطي الجميع بالفعل فرص متساوية و متكافئة للوصول للدرجة العليا في الجنة . 

 

و إلا فإن هناك ظلم – و حاشا لله – بينك و بين شخص عاصر الفاروق عمر, والتحق بركب الفرسان الفاتحين لبلاد الروم و فارس  و مصر و باقي افريقيا . . 

فكيف تتاح له الشهادة , وهي مش متاحة ليك , كيف يرضي الله تبارك و تعالي عن هذه الفرص غير المتكافئة ؟ ؟ 

مين اللي قال ان الفرص غير متكافئة ؟ ؟ 

 

طب مين اللي قال ان معندكش فرص كافية للاستشهاد . . 

فيه طبعا فرص كاملة , لكن محتاجة بحث و تنقيب , وكالعادة محتاجة صبر وطولة بال . . 

 

---------------------------------------------------------------------------

كلامنا هيدور حولين آية و حديث يتماسو بشدة مع موضوعنا . . 

نبدأ بالآية رقم 46 من سورة التوبة , اقرئها كدة بالراحة و تفكر فيها كلمة كلمة . . 

(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)

 

الآية في ظاهرها تتكلم عن المنافقين اللي تخلفو عن مصاحبة الرسول صلي الله عليه و سلم في غزوة تبوك , واللي اخترعو عدد من الأعذار الغريبة , لدرجة أن (الجد بن قيس) قال انا مش عايز اروح عشان لا أفتن من بنات الروم الجميلات (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ)

ولكن لأن القرآن دائما يحتمل أكثر من الموقف الذي أنزل له , فالآية لها معاني عميقة , ودلالات واضحة , وقياس مهم للنقطة بتاعتنا . . 

 

لو أسقطنا الآية علي شخص , يتمني الشهادة بشكل جاد , وحلمه أن يكون شهيد  , فالجزء الأول من الآية بيتكلم عن الشرط الواجب توافره . . 

من يريد الخروج (أي للغزو) فعليه أن يستعد له , ويبدأ في التحضير له , وأن يكون له جاهزا , وأنه يشوف ايه اللي يقدر يعمله في وقت فراغه , عشان يكون وقتها مستعد لما يأتي وقت الجهاد . . 

 

الجزء التاني من الآية خطير جدا , هو بيتكلم عن المنافقين لكن ممكن ينطبق علي أي واحد فينا . . 

ولكن كره الله انبعاثهم , وكراهية الله لانبعاثهم لم تأتي من فراغ و لكن من قلوبهم الفاسدة , وضمائرهم الخربة , ومعاصيهم المستمرة . . 

ايه اللي حصل وقتها ؟  فثبطهم , وهي في اللغة تعني (أعاقه , وقلل من همته) وقيل اقعدو مع القاعدين , و هي النتيجة الحتمية لاختفاء الهمة و العزم . . 

 

------------------------------------------------------------------------------------

 

طيب احنا ضمائرنا مش خربة , ولا فلوبنا فاسدة , هي الجزء ده من الآية يعنينا ؟ ؟   طبعا  , وأكيد . . 

المولي تبارك و تعالي لا يختار الشهداء بشكل عشوائي , ولكن يكونو غالبا صفوة المؤمنين  , مهو مش معقول كمية المميزات والكرامات العالية جدا الخاصة بالشهداء , ,هتكون لشخص بيتعامل مع الدين التعامل السهل الهين , وماشي علي سطر و بيسيب سطر زي حالاتنا . . 

 

كره الله انبعاث المنافقين لنفاق قلوبهم , وقد يكره الله انبعاث احد المسلمين لضعف عبادته , او لقلة همته , او لانشغال قلبه , او لكثرة ذنوبه , او لغفلته عن التوبة , او لطول لسانه , لو لقبوله المال الحرام , او لمجاهرته بالمعصية , او لإصراره عليها و عشرات الاسباب الأخري . . 

 

واخد بالك ان فكرة ان تنال الشهادة , معتمدة عليك بالكامل  ؟ ؟ 

وإن بوابتها الرئيسية هو انت . . 

وكأن – و لله المثل الأعلي – انت طالب في الكلية , وادارة الكلية هتختار 5 طلاب بس من الدفعة عشان يروحو بعثة في فرنسا , واختيار الطلاب هيكون علي اساس الجدية و الانتظام و المحاضرات و المشاركات و الدرجات و العملي و غيرها  من العوامل المهيئة للبعثة . . 

 

فالطريق الوحيد للبعثة هو البحث عن العوامل المؤهلة ليها , و التمسك بيها و اتقانها إلي أقصي حد , مش انك تقعد علي جنب و تقعد تحلم بفرنسا . . 

الله تعالي لن يكره انبعاث أحد من عباده , مالم يكون هذا الشخص هو أساسا من يلقي بأسس الدين وراء ظهره , ومالم يكون فيه كمية من الإهمال و التواكل و التساهل مع الذنوب , و الغفلة عن ذكر الله , و "تكبير الدماغ" عن قواعد الدين الحنيف , وقتها يكره الله انبعاثه , ويثبطه , ويتخلف عن ركب الشهداء . . 

 

يعني لما يكون حد غلبان زي حالاتنا , بيصحي الساعة 8 عشان الكلية وهو ناسي حاجة اسمها فجر , عينيه سارحة في الشارع عادي و ناسي حاجة اسمها غض البصر , حاطط الهيدفون في ودانه عشان يسمع اغاني و ناسي حاجة اسمها قرآن ,  بيصلي بجسمه كدة سريع سريع , من غير ما يكون قلبه موجود اساسا  , لسانه بينهش في لحم الناس من كدب و غيبة و نميمة و شتيمة , ميفتكرش اخر مرة اتصدق بيها او صام يوم تطوع او زار حد مريض , بعد ده كله لما يقول انا عايز ابقي شهيد  ,يبقي بيضحك علي نفسه . . 

 

البعض فاكر ان الشهادة هي طريق مختصر shortcut  للجنة , هوب يدخل الحرب , هوب تيجي رصاصة , هوب بقي الشهيد فلان ابن فلان و يسمو الشارع باسمه  . . 

و ده سببه ان احنا كشرق اوسطيين , للأسف  اتربينا علي مفهوم الفهلوة , و الكروتة , وانجز بقي و خلص علي طول , فبنقيس الجنة والشهادة بنفس الفكر الغريب ده  . . 

الشهادة ليها طريق , وانت عرفته حالا , فمتقولش بعد كدة انا معنديش فرصة , قول فيه فرصة بس انا مكسل . 

---------------------------------------------------------------------------

 

الحديث الشريف في نفس السياق و المعني , بل إنه أكثر وضوح و صراحة . . 

الحديث في صحيح مسلم , قال رسول الله صلي الله عليه و سلم : ((من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))

واخد بالك من كلمة بصدق ؟ ؟  مهمة جدا  ,  الرسول صلي الله عليه و سلم تعمد يذكرها في الحديث عشان يوضح إن الموضوع مش أحلام و أماني . . 

 

بصدق , و انت بقي ترجمها في عقلك لكل معاني الجدية و الاهتمام و الخطط اللي تتكتب , و الجداول اللي تترسم , والمتابعة الدقيقة . . 

بصدق يعني مش هتعرف تضحك علي حد , عشان المولي تبارك و تعالي هو من يري قلبك , وعارف انك بتتكلم بجد و لا بتحاول تمارس الفهولة اللي اتعودنا عليها للأسف . . 

 

الرسول صلي الله عليه و سلم بيوعدك -  و احنا واثقين في كلامه من غير نقاش  -  هل انت جاد في الشهادة ؟ هل بالفعل عايزها بصدق  ؟ خلاص يا سيدي اطمن , هتبقي شهيد , وهتاخد كل درجاتها و كرامتها , حتي لو مت علي سريرك , حتي لو مت في حادثة عربية , حتي لو مت بالكانسر , حتي لو مت في قطر الصعيد , حتي لو مت بالسكتة القلبية  . . 

يعني الفرصة قدامك متاحة بالكامل , بس احنا للأسف بنحب نتحجج , وبنحب نقتنع ان الموضوع مستحيل , وخلاص مفيش فرصة , كتبرير لنفسنا و ضميرنا , لما نعجز عن الوصول لما نريد  . . 

امسك كلمة بصدق , وحاول تترجمها لخطوات تنفيذية , هتلاقيها بالفعل بقت العشرات او مئات الخطوات الفعلية اللي هتلتهم حياتك بالكامل , من عبادات لاخلاق لمعاملات لاستعدادات في مجالات مختلفة  . . 

 

---------------------------------------------------------------------------
 
نوصل لسؤال مهم كمان 

هو أصلا في مجال الواحد يستشهد دلوقتي ؟ ؟ 

يعني زمان كان فيه غزوات و حروب و فتوحات , حتي من قريب كان فيه حروب مع اسرائيل و قبلها الاحتلال البريطاني , لكن دلوقتي هنحارب فين ؟ 

والسؤال ده مرتبط بسؤال تاني و شديد الأهمية  : وهو نستعد ازاي ؟ ؟ 

يعني في الآية ربنا ذكر (لأعدو له عدة) إيه هي الاستعدادات اللي اعملها عشان ربنا يكرمني بشرف الشهادة . . 

سؤالين مهم , وهتلاقي اجابتهم مرتبطة . . 

 

صحيح ان حاليا مفيش متاح معانا المواجهة المباشرة مع العدو , و مش متاح تروح مثلا غزة , او بعض أجزاء من سوريا للدفاع عن المسلمين , ولكن فيه مجالات تانية للشهادة بالطبع . . 

زمان كانت الحروب العسكرية هي السبيل الوحيد للانتصار علي العدو , ودحره , لكن حاليا الموضوع اختلف و تشعب بشكل لا يصدق . . 

 

عندك الحرب الاقتصادية , الحرب الإعلامية , الحرب السياسية , الحرب النفسية , الحرب الإعلامية , الحرب التكنولوجية و المعلوماتية , وغيرها من سبل الحرب المختلفة . . 

ولما انت كنت بتقول ان مفيش فرصة حاليا للشهادة , فده معناه انك ملاحظتش انك اصلا مولود في واحد من أصعب العصور علي الأمة الإسلامية , واللي فيها احنا مهزومين في كل المجالات تقريبا . . 

 

يعني انك تتقن أحد المجالات اللي قلناها من شوية , و تهتم بيه اهتمام كبير , وتسخر حياتك بالكامل بهدف انقاذ المسلمين من البوابة ديه , و محاربة العدو بيها , فانت كدة بتعمل نفس الدور اللي كان بيعمله فارس شجاع , ماسك سيفه و بيستعد لاقتحام أسوار القسطنطينية . . 

زمان لما كان الصحابي الجليل "أبو دجانة" يربط العصابة الحمراء علي راسه , فكان بيعملها عشان ينصر الإسلام بالحرب , واللي وقتها كان السبيل المباشر للدفاع عنه من المشركين . . 

 

لكن انت موجود في 2019, واللي فيها مئات الوسائل الممكنة و الرخيصة , واللي ممكن بالفعل تنشر الاسلام و تدافع عنه . . 

لما تدرس البرمجة دراسة تامة , وتعلمها لعشرات الشباب من معارفك و اصحابك مجانا , فانت عارف انك كدة ساهمت باللي تقدر عليه بمحو الأمية التكنولوجية لبلادك , واللي هي احد اسباب كوارثنا المستمرة . . 

 

لما تتعلم فرنسي و ايطالي و تكون متقن ليهم اتقان كبير , وتقدر تدخل منتديات و جروبات خاصة بمواطنيها, و تعرفهم ولو جزء بسيط عن الاسلام و عن نبيك محمد صلي الله عليه و سلم , وتصحح الأكاذيب اللي بتقال عنه هناك , وتوضح الفرق بين الإسلام و داعش , فتكون ساهمت بمقدار ولو بسيط في نشر دينك الحنيف . . 

نفس الموضوع في باقي المجالات اللي ذكرناها , وانت أدري ايه المجال اللي انت تفهم فيه , واللي تساعد بيه الناس , وتنقذ بيها بلدك و دينك . . 

 

الموضوع مش مجرد نشاط تعمله في فراغ وقتك , 3 او 4 ساعات اسبوعيا , الموضوع هي فكرة تستحوذ عليك , وتخليك تغير خططك بس عشان تعمل المستحيل لايصال فكرتك  . . 

محدش يقدر يحسم إن العمل في المجالات ديه , يعادل القتال و الموت في سبيل الله , لأن المعايير ديه في يد المولي تبارك و تعالي , بس ديه هي الحاجة المتاحة معانا دلوقتي , ومش لاقيين غيرها حتي الآن . . 

وصدقني . . 

 

لما ربنا سبحانه وتعالي يري في قلبك الصدق , هتلاقي فرصة الشهادة قربتلك . . 

كتير من قصص الشهداء في ثورة يناير و رابعة و تونس و ليبيا و سوريا , كتير منهم تقرأ قصصهم تتعجب , انهم بالفعل كانو عايشين حياة الشهداء , فربنا اكرمهم بالمنزلة ديه فورا . . 

 

اعرف انك لو فضلت بعيد عنها , فده بسببك انت , مش لانك متولدتش في عهد هارون الرشيد , ربنا هيطّـلع علي اعمالك و قلبك , ويا إما ييسرلك الطريق , يا اما يثبطك لو انت متستاهلش . . 

 

حط في بالك النية من دلوقتي , إنك هترسم حياتك علي أساس إنك شهيد , وثق إن ربنا هيرزقك الشهادة لو انت تستاهلها . . 

(من عاش علي شئ مات عليه) , مقولة جميلة لأهل العلم , لخصو بيها كل اللي عايزين نقوله . . 

 

الرسالة التالية

bottom of page