
العنوان : الديمقراطية و الكُفر - 2
القسم: #السياسي
الرقم: 28
السؤال:
سلام عليكم يا صفحة
ربنا يباركلكم علي اللي بتقدموه بجد كتر خيركم
سؤالي بس علي حاجة قريتها و مش فاهمها قريت من فترة من كذا شيخ و عالم في الدين ان الديمقراطية هي كفر بالله
في الاول كنت بحسب دي اراء شاذة و متشددين . لغاية لما لقيت ان كتير من الشيوخ اللي انا عارف انهم معتدلين بيقولو الديمقراطية كفر .
عايز افهم ايه الكفر اللي في الديمقرطية . ازاي يعني ان الناس تنتخب اللي عايزينه وان يكون فيه حرية راي يكون ده كفر بالله و العياذ بالله
ياتري ده راي صح ولا اراء تكفيرية ولا ايه
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
أولا ده الجزء التاني من الإجابة , الجزء الأول موجود في الرسال السابقة : الديمقراطية و الكُفر - 1
بالنسبة للنقطة الأولي ( حرية الشعب في اختيار منهج الحكم ) . .
النقطة ديه كفر صريح . .
أنا عارف ان كتير من الناس عندها "فوبيا" من كلمة كفر , وجسمهم بيصاب بالقشعريرة أول ما بيشوفوها , وبيحصل نفور من مجرد قراءة او مناقشة اي شئ فيه كفر . .
بس احنا بنقولهم , ان ديه اساسيات الدين , و "ألف باء" الشرع الحنيف , وكون ان البعض عمل إساءة لمفهوم التكفير , او كون إن العديد من الأعمال السينمائية صنعت تشويه متعمد للمصطلح ده , فده مش هيخلينا نتخلي عن اساسيات الدين عشان الناس متضايقش . .
انت عندك حق إنك تخاف من مصطلح "التكفير" بس لما يساء استخدامه , او لما حد يعمل "مد" لمظلة التكفير , خارج إطار الدين الحنيف , زي ما داعش – ربنا يهديهم – عملو تكفير للناس كلها تقريبا . .
بس التكفير في حد ذاته هو من أساسيات الدين , والا مش هنحكم علي ابو طالب او ابو جهل و عتبة بن ربيعة و غيرهم من الاسماء المعروفة , مش هنحكم عليهم ساعتها بالكفر ولا حاجة . .
من حق اي شخص مش متخصص في العلوم الشرعية إنه ينأي بنفسه عن الحكم علي شخص بالكفر طالما ميعرفش , بس علي الاقل لازم تدرس الخطوط العامة لدينك , وعلي الأقل تعرف ايه هي الأعمال اللي ممكن تجعل الشخص يخرج من الملة نهائي , ربنا يحفظنا . .
فأرجو ميكونش التعامل مع مصطلح "التفكير" فيه نوع من الايرتيكاريا , اللي هو انت بتهرب منه بشكل غير عقلاني , باعتبار انه شئ يخوف , دي اساسيات الدين , ومش بنقولك اننا هنحكم ان فلان كافر ولا لا , احنا بنحكم علي العمل ده هل هو متوافق مع الدين ولا لا . .
و كمان احنا مش هنجيب من اقوال العلماء ولا حتي أقوال الصحابة , ده احنا هنجيب آيات من القرآن , واللي لا نقاش فيها . .
المولي تبارك و تعالي ذكر في آيات متتالية في سورة المائدة , كلمات واضحة , مفصلة , ترسم لنا الصورة الكاملة . .
نبدأ بالآية الأولي وهي الآية رقم 44 ,و اللي محتاجة قراءة متأنية . .
" إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "
في بداية الآية ربنا ذكر عن اليهود إن التوراة أنزلت ليهم , ليحكم بها الأنبياء الذين أرسلو إليهم , وفي وسط الآية تنبيه مهم : (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) اياكم تخشو من الناس , و اجعلو بس في قلوبكم الخوف من الله . .
بعدها فورا تحذير : (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) , إياكم تضحو بحكم ربنا بأي تمن علي الإطلاق , واي تمن هيكون مقابل حكم ربنا هيكون رخيص , وثمن قليل . .
بعدها تأتي الآية صريحة مفيهاش نقاش : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) , أي استخدام لأحكام , مخالفة لما انزله الله من احكام و قوانين عليكم , هو عمل كفري . .
الآية التالية , رقم 45 (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
وهي فيها عدد من أحكام القصاص , وانتهت الآية بتحذير ثاني , ان من ترك الإحتكام لشرع الله فهو من الظالمين . .
بعدها آيتين , الآية رقم 46 و 47 (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
وهي تتكلم عن النصاري وما أنزله الله من تشريع, والأمر بالاحتكام لما أنزله الله لهم في الإنجيل , وتذيلت الآية بالحكم بفسق من ترك الحكم بشريعة الله . .
بعدها الكلام للرسول صلي الله عليه و سلم والمسلمين من بعده (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) , والآيات واضحة , في الأمر المباشر بالتحكيم بما أنزله الله تعالي في القرآن , وعدم الإصغاء لأي أهواء بشرية . .
اقرأ الآيات تاني بداية من آية 44 , للآية 50 , وهتلاقي ان مفصلة , و صريحة , ومفيهاش شئ غامض أو محير . .
-----------------------------------------------------------------------------------------
الآيات بقت واضحة ومفهومة حاليا ؟ ؟
أي احتكام لقوانين بعيدة عن منهج ربنا سبحانه وتعالي , و اي استخدام لشرع غير شرعه , هو كفر بالله , وابتعاد كامل عن مظلة الإسلام الواسعة , حتي لو ده كان بإجماع الناس أو الشعب . .
و هنا ييجي سؤال , طب ليه ؟ ؟
يعني ليه ربنا منعنا اننا نختار منهج معين نمشي بيه , وألزمنا إننا نمشي بمنهجه وحده ؟ ؟
الإجابة سهلة , لأنه سبحانه عارف اننا كبشر هنظلم بعض , مش بس كممارسات فردية , لكن كمان كقوانين ممنهجة , ولوائح و دساتير و محاكم و قضاة .
فيه تعريف ساخر للديمقراطية , بيقول "إن الديمقراطية هي التصويت بين ذئبين و شاة علي وجبة العشاء" , وعلي الرغم من السخرية الواضحة في التعريف , الا ان فيه لمسة حقيقية مؤلمة . .
إن ممكن ببساطة اغلب المواطنين في مجتمع معين يتفقو علي قانون معين فيه ظلم لفئة تانية , وهي أقلية . .
ومش هقولك ان وارد يحصل , لأ ده حصل بالفعل لقرون طويلة , ولازال بيحصل في أماكن و دول و تشريعات معينة . .
العبودية ظلت لقرون طويلة شئ ممنهج و قانوني في اوروبا و أمريكا, وكانت السفن بتيجي محملة من ساحل العاج و نيجيريا بآلاف العبيد الأفارقة , عشان يتباعو في سوق نخاسة في شوارع نيويورك و باريس و لندن وروما . .
بل ان جورج واشنطن , وهو مؤسس الولايات المتحدة , وواضع دستورها , كان عنده عدد كبير من العبيد . .
و السبب الرئيسي في اشتعال الحرب الأهلية الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر (1861 – 1865) , كان قرار "ابراهام لينكولن" تحرير العبيد , وده اللي جعل 13 ولاية أمريكية (أغلبهم من ولايات الجنوب) يرفضو القرار ده تماما , ودخلو في حرب طاحنة لمدة 4 سنين التهمت الأخضر و اليابس , وحصدت أكتر من 600 ألف أمريكي . .
طب ماذا عن القوانين اللي بتشرع ممارسة الزنا , في أغلب دول العالم , منها كتير من الدول العربية ؟ ؟
ماذا عن مشروعية شرب الخمر ؟ ؟
ماذا عن تقنين استخدام بعض المخدرات في عدد من دول العالم ؟ ؟
بل ماذا عن المكارثية , واللي سمحت باعتقال و مصادرة ممتلكات أكتر من 200 شخص من المشاهير الأمريكيين , وطرد اكثر من 10 الاف موظف امريكي , لمجرد الاشتباه في كونه مؤيد للشيوعية ؟ ؟
ماذا عن مئات الآلاف من المواطنين الأمريكان من ذوي الأصول اليابانية , واللي تم احتجازهم في معسكرات اعتقال جماعية في سنوات الحرب العالمية الثانية , للخوف من تواصلهم مع اليابانيين , الخصم الاول لواشنطن ؟
ماذا عن الإبادة المنظمة للسود والغجر و اليهود , اللي قام بيها الفيرماخت (القوات المسلحة الألمانية) أثناء الحرب العالمية التانية ؟
ماذا عن التطهير العرقي اللي قام به الصرب و الكروات لمسلمي البوسنة والبوشناق في التسعينات ؟
ماذا عن المجازر التي لا تصدق اللي قام بها الملك البلجيكي ليوبولد الثاني في الكونغو , وراح ضحيتها فوق العشر مليون مواطن كونغولي ؟
ماذا عن ابادة عشرات الملايين من الهنود الحمر في كندا و امريكا (علي أيدي الإنجليز والفرنسيين) و أمريكا اللاتينية (علي أيدي الأسبان والبرتغاليين ) ؟
ماذا عن الإبادة الحالية تحت عيون العالم لمسلمي الروهينجا , علي يد جيش ميانمار , بأوامر مباشرة من حاكمة البلاد "أونج سان سوكي" , واللي – يا للسخرية – أخدت جايزة نوبل للسلام سنة 1991 .
ماذا عن الممارسات الغير معقولة اللي بتمارسها السلطات الصينية تجاه مسلمي الإيغور الصينيين , واللي وصلت لدرجة منع اسماء محددة اسلامية من الاطفال , واجبارهم علي الاكل و الشرب في نهار رمضان , غير الإعتقالات الرهيبة لقادة المسلمين هنا ؟ ؟
----------------------------------------------------------------------------------
خد بالك انا مش باتكلم عن ممارسات فردية , انا باتكلم عن اشكال منظمة من الظلم الذي لا يصدق , واللي كان واخد "موافقة" كاملة من المؤسسات التشريعية في الدولة اللي بتظلم . .
فالإنسان لو ترك له الحبل , هيظلم نفسه , وهيظلم غيره , ومش هيرحمه . .
ربنا سبحانه و تعالي اللي خلقنا , هو عارف اننا هنظلم بعض , وان بدون تشريع سماوي واضح و صارم , هيتحول العالم لفوضي . .
محدش يقولي : "يعني هو العالم الإسلامي اللي عادل قوي ؟ ؟" , مهو ان عارف الدول الاسلامية مش عادلة , والسبب انهم مش بيطبقو حكم الله ,قولي انهي دولة اسلامية دلوقتي بتطبق شرع ربنا . .
الشرع لم يطبق بشكل كامل و سليم الا أيام الرسول صلي الله عليه و سلم , والخلفاء الأربع , ومنذ قيام الدولة الأموية , و بدأ يحصل تفاوت و تأرجح في تطبيق الشرع , منهم اللي قدر يوصل لمستوي عالي (زي عمر بن عبد العزيز و هارون الرشيد) , ومنهم اللي ضرب بيه عرض الحائط , وكان يستحل الخمور و سفك الدماء . .
فالحكم بغير ما أنزل الله , هو كفر بلا نقاش , وهي مصدر الخلاف الرئيسي بين مؤيدي و كارهي الديمقراطية .
وأي حرية في اختيار قوانين تصطدم مع شرع الله , هي في نفس مساحة الكفر الغير مقبول . .
والبديل السليم , إن يجتمع الخبراء في القوانين , والمشرعين , والفقهاء , ويعملو صياغة للقوانين , بحيث كلها يتم استنتاجها و صياغتها بما يتوافق مع القرآن و السنة . .
وده يكون في المعاملات الاجتماعية , الزوجية , المالية , السياسية , الجنائية و هكذا . .
طب لما يوصلو لمساحات من القوانين مش لاقيين لها مصدر في القرآن و السنة ؟ ؟ , زي مثلا قوانين المرور , قوانين تملك السلاح , قوانين الجرائم الالكترونية , وهكذا . .
وقتها يجتهد المشرعون في استخلاص قوانين تتوافق مع الروح العامة للشريعة الإسلامية , بما يحافظ علي المقاصد الخمسة الأساسية للشرع , و هي (الحفاظ علي النفس , الدين , النسل , المال , العقل )
يقومو باستخلاص قوانين مبنية علي العدالة الاجتماعية , وبما يضمن مساواة الجميع تحت مظلة القانون , من اكبر وزير , لاصغر غفير , الابيض و الاسود , القاهري و النوبي , القبلي و الحضري , الشامي و المغربي .
احنا دلوقتي بنتكلم في تطبيق شرع الله بشكل سليم , وهو انعكاس كامل لكلمة الصحابي الكريم " ربعي بن عامر التميمي " لما قال كلمته المشهورة لرستم ملك الفرس : " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام "
-----------------------------------------------------------------------------------
طب ماذا عن باقي النقاط المتعلقة بالديمقراطية , زي :
-
حرية الرأي و التعبير
-
إمكانية محاسبة الحاكم و الإعتراض علي ممارسات معينة منه
-
إمكانية الخروج علي الحاكم و التظاهر عليه لو إنه ظلم الشعب
-
تقبل الرأي الآخر , وعدم الفتك بصاحبه
الحقيقة ان النقاط ديه و غيرها , هي مش بس مشروعة في الإسلام , ده ممكن كمان نقول إنها من صلب الدين الحنيف , وانتهاكها هو شئ مخالف لشريعة الله . .
يعني إن كانت النقطة الأولي في مظلة الديمقراطية , وهي (حرية اختيار المنهج والقوانين ) ان كانت النقطة ديه هي كفر زي ما شرحنا , فباقي النقاط المذكورة هنا , هي من روح الشريعة الإسلامية , و المنهج الرباني , ورفض أيا منها هو مخالفة لشرع الله . .
ولو انت عملت استعراض للسيرة النبوية , وللمواقف المختلفة اللي حصلت ايام الخلفاء الراشدين , هتجد إن الرسول صلي الله عليه و سلم , و الخلفاء الأربع , ضربو لنا اروع الأمثلة في هذا المضمار . .
فبداية من الأعرابي اللي تبول في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم , عن جهل منه وليس عن تعمد للإساءة , فما كان من الرسول صلي الله عليه و سلم , إلا إنه تناول الأمر بشكل فيه رحمة , وتفاهم مع الشخص المختلف عنه , ومنع الصحابة الكرام من تنعيفه , وأمرهم " أهريقوا على بولهِ ذَنوباً من ماء فإنما بُعِثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسرين " .
لما الصحابي الكريم "الحباب بن منذر" سأل الرسول صلي الله عليه و سلم يوم بدر , " يا رسُول اللّه ! أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكهُ اللّهُ، ليس لنا أن نتقدّمهُ ولا نتأخّر عنهُ، أم هُو الرّأيُ والحربُ والمكيدةُ ؟"
فلما اخبره الرسول صلي الله عليه و سلم " بل هو الرأي والحرب والمكيدة"
فهو قال بمنتهي الوضوح : " يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل" , يعني هو اعترض علي رأي الرسول صلي الله عليه و سلم , طالما اتأكد انه اجتهاد مش أمر من ربنا , واقترح إن يتم التخييم أمام بئر بدر عشان تكون لهم نقطة قوة الحصول علي المياه , والرسول صلي الله عليه و سلم استحسن الرأي و أمر بتنفيذه فورا . .
و نفس الموضوع يوم الخندق , لما سلمان الفارسي اقترح فكرة الخندق اللي كانو بيعملوها في بلاد فارس وفعلا نفذوها . .
بل إن قبل غزوة أحد بقليل , الرسول صلي الله عليه و سلم أخبر الصحابة الكرام , إنه رأي رؤيا – ورؤيا الأنبياء حق – في نص الحديث المعروف " رأيت كأني في درع حصينة ، ورأيت بقرا تنحر ، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة ، وأن البقر نفر" , فالرسول صلي الله عليه و سلم رأي في رؤياه أحداث دموية , بما يشير لما سيحدث في المعركة القادمة . .
ولما بدأ المسلمون يتناقشو في التصدي لكفار قريش اللي كانو في طريقهم للمدينة , كان فيه رأيين , رأي إننا نتحصن بالمدينة , ونقاتلهم بقوة , أو إننا نخرج لهم ونواجههم في خارج المدينة . .
فاجتمع الرسول صلي الله عليه و سلم مع كبار المهاجرين و الأنصار , وكانت غالبية كبار الصحابة بما فيهم الرسول نفسه يميلو الي التحصن في المدينة , بينما السواد الأعظم من شباب الصحابة يؤيدو بشدة الخروج لهم , فكانت الشوري و أغلب الأصوات مع الخروج , فذهب الرسول صلي الله عليه و سلم للاستعداد للخروج . .
فلما عاتب عدد من كبار الصحابة , الشباب علي حماستهم الشديدة , واللي جعلت الرسول صلي الله عليه و سلم يتخذ قرار غير اللي كان هو يميل إليه , خاصة بعد الرؤيا التي رآها , ذهب عدد من الشباب للرسول يعتذرون له , ان احنا خلاص موافقين علي التحصن بالمدينة , فرفض الرسول صلي الله عليه و سلم كسر قرار الشوري , ورفض تغيير قرار , بعد ما تم اخذ موافقة أغلب الأصوات عليه . .
متنساش كمان ان أول كلمات سيدنا أبو بكر كخليفة للمسلمين هي "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" , يعني اول ما اظلم حد فيكم , من حقكم انكم تشقو عصا الطاعة لي كحاكم . .
وغيرها من المواقف المشابهة, واللي بتظهر قد ايه الإسلام حريص علي جميع مظاهر حرية الرأي والتعبير و مناقشة جميع الآراء للوصول للرأي السليم . .
زي ما قلتلك قبل كدة , المشكلة مش في المنهج الرباني , لكن ان محدش عايز يطبقه , حتي الدول اللي بتدعي تحكيمها للشرع الحنيف .
----------------------------------------------------------------------------
و عشان نلخص الكلام ده , ممكن نقول كلمات معدودة . .
ان جزء من الديمقراطية هو كفر صريح ,وهو المتعلق بحرية اختيار منهج , او تغيير شرع الله كحكم بين الناس . .
لكن فيها اجزاء كتير مش كفر ولا حاجة , بل خلينا نقول انها من اساسيات الدين الإسلامي .
وزي ما قلنا في بداية الرسالة , ان أكبر مشكلة بتواجه الفريق الأول ( المؤمنين ان الديمقراطية كفر ) , او الفريق التاني (المؤمنين ان الديمقراطية مش كفر) , انهم مش متفقين علي اصلا ايه هي الديمقراطية , هما الاتنين واقفين علي جانبي الرقم , دول شايفينها 6 , ودول شايفينها 9
فأنا متفق مع أفراد الفريق الاول , إن تحكيم اي شرع غير شرع الله كفر . .
لكن مش متفق مع بعضهم اللي بيرفضو اي ذكر لكلمة ديمقراطية , باعتبار ان كل عناصرها من قائمة الكفر . .
وكمان انا متفق مع أفراد الفريق الثاني , ان الاسلام بيسمح بل و بيأمر بحرية الرأي والتعبير , ومحاسبة أكبر حاكم علي كل صغيرة و كبيرة . .
بس مش متفق مع بعضهم من اللي بيؤمن بحرية صياغة اي قوانين , حتي لو تتعارض مع شرع الله . .
فالديمقراطية بعضها كفر , وبعضها من صلب الإسلام , ولو تم عمل تفكيك للمصطلح نفسه , هيكون اسهل علينا و علي الجميع انهم يعملو تقييم واضح لها . .