العنوان : الديمقراطية و الكُفر - 1

القسم: #السياسي

الرقم: 27

السؤال:

سلام عليكم يا صفحة

 

ربنا يباركلكم علي اللي بتقدموه بجد كتر خيركم

 

سؤالي بس علي حاجة قريتها و مش فاهمها  قريت من فترة من كذا شيخ و عالم في الدين ان الديمقراطية هي كفر بالله

 

في الاول كنت بحسب دي اراء شاذة و متشددين . لغاية لما لقيت ان كتير من الشيوخ اللي انا عارف انهم معتدلين بيقولو الديمقراطية كفر .

 

عايز افهم ايه الكفر اللي في الديمقرطية . ازاي يعني ان الناس تنتخب اللي عايزينه وان يكون فيه حرية راي يكون ده كفر بالله و العياذ بالله

 

ياتري ده راي صح ولا اراء تكفيرية ولا ايه

 

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

 

الإجابة                    :

 

 

وعليكم السلام و رحمة الله . .

 

أهلا بيك يا سيدي .

 

موضوع "الديمقراطية"  و "الكفر" هو من المواضيع الشائكة , واللي لا يكاد يفتح في مكان ما  ,الا وينقسم الناس لفريقين , فريق يري أن الديمقراطية كفر بمنهج الله , وفريق يري أن الديمقراطية ليس لها علاقة بالكفر , وانها لا تتعارض مع المنهج الاسلامي . .

 

وسرعان ما تنهال الاتهامات من الجانبين علي بعضهم البعض . .

 

الفريق الأول يتهم التاني بالتهاون في دين الله , والتقصير في تعلم العلوم الشرعية الكافية , والفريق التاني يتهم الأول بقصر النظر , والتشدد دون علم  ,و الفكر التكفيري . .

 

و المؤلم إن كتير من الشيوخ والعلماء ذوي "السمعة الطيبة" , وذوي "الشهرة الإعلامية" نأو بأنفسهم عن الصراع ده . .

 

لأن النأي بالنفس في المواقف المهمة اللي زي كدة , لا يعتبر إلا سلبية , ولا يفسر إلا إنه تخاذل عن توضيح عدد من النقاط الشائكة , وتفسير الموقف الواضح للدين في أحد أهم المواضيع استخداما في الحياة المعاصرة . .

 

فيه جملة مهمة للمناضل الأمريكي ذو الأصل الأفريقي "مارتن لوثر كينج" , بيقول : إن أسوء مكان في الجحيم , محجوز لأولئك الذين يقفون علي الحياد , في المعارك الأخلاقية العظيمة . .

 

اللي ابتعد عن الصراع ده – وهو يعلم الحُكم الصحيح – ابتعد عنه عشان ميُتهمش من الفريق الأول إنه مفرط في الدين  , في حالة انه قال ان الديمقراطية مش كفر , او عشان ميتهمش من الفريق التاني انه متطرف و داعشي , في حالة إنه قال ان الديمقراطية كفر . .

 

و هنحاول في السطور الجاية  ,اننا نعرض رؤيتنا , هي الديمقراطية كفر , ولا مش كفر  , وليه ؟ ؟

 

صحيح إننا قد نتهم في نهاية الرسالة ديه , من بعض مؤيدي الفريق الأول إننا "متسيبين" و "مفرطين" في الدين , أو قد نتهم من بعض مؤيدي الفريق التاني اننا "متشددين" او "تكفيريين" , لكن احنا مش بيهمنا الناس تقول عليها ايه , قد ما يهمنا اننا نحاول نوصل للمعني الدقيق , ونقول الكلمة اللي ترضي ضميرنا , ونقابل بيها ربنا وإحنا عارفين اننا قلنا كلمة حق . .

 

والحاجة الوحيدة اللي بنطلبها من القارئ العزيز , إنه يقرأ المقال للآخر , مش هتعرف أبدا تعمل تقييم لشئ لغاية لما تنتهي منه بشكل كامل , وياريت تكون انت من جواك عندك المرونة الكافية انك تقتنع بشئ معين , طالما شفت أدلة عقلية و نقلية و منطقية كافية , حتي لو كان يتعارض مع حقائق ثابته انت مؤمن بيها , بس ملهاش اساس حقيقي . .

 

كمان عشان الرسالة طويلة , فهنعمل تقسيم ليها علي جزئين , ده الجزء الأول , والتاني بكرة ان شاء الله . . 

 

 

قبل ما نفهم ايه هي الديمقراطية عايزين نتفق علي مبدأ معين . .

 

اننا لو بدأنا نعمل نقاش او جدال علي شئ معين , فلازم في البداية نفهم ايه أصلا الشئ ده . .

 

ولو كان الشئ ده هو مصطلح غير عربي , فلازم نسأل اللي اخترعو اللفظ , يا اخوانا يا اللي اخترعتو الكلمة ديه , قصدكو بيها ايه , عشان بعدها نعمل تقييم ليها بناء علي معناها الحقيقي , مش علي المعني اللي احنا بنظنه انه لها . .

 

والغريب إن الخلاف الشائك في قضية "الديمقراطية – الكفر" ممكن يتحل ببساطة لو بس كلا الطرفين اتفقو علي ايه هو تعريف الديمقراطية , وياتري قصدكم بيها ايه يا اخوانا . .

 

لو ان الطرفين مع بعض اتفقو علي مفهوم محدد للديمقراطية , هتلاقي ان اغلب المتواجدين في المعسكر الأول والمعسكر التاني , هيتفقو وقتها علي رأي واحد , وهيعرفو ان كان فيه سوء تفاهم بينهم بس علي تحديد المعني الحقيقي لكلمة ديمقراطية , زي المثال الشهير لشخصين واقفين بينظرو لنفس الرقم  , ده مُصر انه رقم 6 , والتاني بيحلف انه رقم 9 , لان كلا منهم شايفه من زاوية معينة . .

 

و عشان نفهم يعني ايه كلمة ديمقراطية , لازم نسأل اللي اخترعو الكلمة نفسها قصدكم بيها ايه . .

 

فلو إن شخص مثلا راح سافر المانيا , وسمع حد بيقوله  "جوتي ناخط  Gute Nacht " , قبل ما يبدأ يكون عنده رد فعل في عقله يا تري ده بيسلم عليا و لا بيشتمني ولا ايه , لازم يسأل حد متخصص في اللغة الألمانية , هو يا جماعة يعني ايه اصلا ""جوتي ناخط" . .

 

لو إن الشخص ده عمل رد فعل معين بناء علي عدم فهمه الحقيقي للكلمة , او بناء علي انه استنتج معناها , او انه سمع من شخص تاني غير متخصص توقع الكلمة ديه معناها كذا , فمش هنلوم اللي قال الكلمة , لكن هنلوم اللي مفهمش معناها . .

 

ولو إن شخص مُصر علي إن كلمة "جوتي ناخط" هي كلمة غير مناسبة , ومينفعش نقولها , فالاول نقوله طب ما تيجي نعرف الأول معناها من المتخصصين في اللغة الألمانية , لأن هما أدري الناس بيها , ومينفعش حد غير متخصص هو اللي يفتي فيها . .

 

وبناء علي التعريف اللي هما هيقولوه ليها , احنا هنعمل قياس كامل بمعاييرنا الشرعية و الدينية عليها , ونشوف هل الكلمة مناسبة ولا لأ . .

 

تعالي بقي نسأل اللي اخترعو كلمة ديمقراطية , هي معناها ايه . .

 

----------------------------------------------------------------------------------------------------

 

هو يعني ايه بقي ديمقراطية ؟ 

 

الديمقراطية كلمة يونانية قديمة  , بتتكتب كدة باللغة اليوناني :  δημοκρατία ,  ومعناها الحرفي : طريقة حكم الشعب .

 

لأن كلمة δῆμος معناها الشعب  وبتتنطق ديموس , وكلمة κράτος معناها الدولة او الولاية , و بتتنطق كراتوس

 

لاحظ ان الكلمتين دول احنا بنستخدمهم في حاجات تانية ,فمثلا كلمة "ديموس" اللي هي الشعوب بتستخدم في كلمة ديموغرافية Demography , هي علم السكان , او علم الشعوب . .

 

كمان كلمة "كراتوس" اللي هي الحكم او الولاية , بتستخدم في كلمة أرستقراطية Aristocracy , واللي معناها حكم النخبة , كمان في كلمة الثيُقراطية Theocracy , يعني الحكم الديني . .

 

ديه الترجمة الحرفية لكلمة الديمقراطية , بينما هي كمصطلح سياسي مستخدم , ليها عدد كبير من التعريفات , ومنها :

 

فمثلا في قاموس كولينز الاسكتلندي :

 

Democracy is a system of government in which people choose their rulers by voting for them in elections.

 

 

يعني الديمقراطية هي نظام الحكم , حينما يقوم الشعب باختيار حاكميه عبر التصويت في انتخابات

 

 

وفي قاموس كامبريدج البريطاني :

 

the belief in freedom and equality between people, or a system of government based on this belief, in which power is either held by elected representatives or directly by the people themselves

 

واللي معناه : الايمان بالحرية و المساواة بين الناس , و عبر نظام حكم يعتمد علي هذا الإيمان , حينما تكون السلطة في يد فئة منتخبة , او عبر الشعب نفسه

 

وفي قاموس ميريام ويبستر الأمريكي :

 

Democracy : a government in which the supreme power is vested in the people and exercised by them directly or indirectly through a system of representation usually involving periodically held free elections

 

واللي معناها : السلطة تترسخ في يد الشعب , و تمارس خلالهم بشكل مباشر او غير مباشر , عبر نظام تمثيلي معين , ويتم اختياره بشكل دوري , عبر انتخابات نزيهة

 

----------------------------------------------------------------------------

 

نفهم من كدة ايه ؟

 

إن اللي اخترعو كلمة ديمقراطية كان قصدهم بيها باقة كبير من الممارسات السياسية و الاجتماعية , اللي بتحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم . .

 

إذن الحكم علي مصطلح الديمقراطية هو كفر ولا لأ , هيكون عبر الحكم علي  كل معني فيهم علي حدة , لأن ممكن يكون عددا من الممارسات  او النقاط ديه , ممكن تكون متوافقة مع الدين الحنيف , وممكن تكون بعضا منها غير متوافق . .

 

لو هنقول ان مصطلح الديمقراطية يتفرع منه عدد من النقاط وهي :

 

• حرية الشعب في اختيار منهج الحكم

• حرية الرأي و التعبير

• إمكانية محاسبة الحاكم و الإعتراض علي ممارسات معينة منه

• إمكانية الخروج علي الحاكم و التظاهر عليه لو إنه ظلم الشعب

• تقبل الرأي الآخر , وعدم الفتك بصاحبه

 

إذن مصطلح الديمقراطية , هو عبارة عن باقة كبيرة , تشتمل علي عدد من النقاط الفرعية  و اللي ممكن يختلف تقييمنا لنقطة ما عن نقطة تانية . .

 

فالحل هو اننا نعمل تقييم لكل نقطة علي حدة , عشان نحدد علي ميزان الشرع , مدي توافق كل نقطة معاها , ومدي اتفاق الإسلام مع أي نقاط و مدي اختلافه مع أي نقاط . .

 

وده اللي هنعمله بالتفصيل في رسالة الغد ان شاء الله , اللي بعنوان : الديمقراطية و الكُفر - 2