
العنوان : الدعاء و اليقين
القسم: #الديني
الرقم: 30
السؤال:
انا ممكن أسأل سؤال. .
لما تكون بتدعي بحاجه ونفسك ربنا يحققها وعندك امل جواك انها هتحصل بس للاسف مافيش اي حاجه توحي بتحقيقها . .
ده معناه ايه انا الحمد لله بصلي وبقرا قران وبذكر ربنا كتير وبسبح وبحاول اتصدق وبصلي قضاء الحاجه وبدعي كتير بس انا مش عارفه الي انا بتمناه شبه مستحيل . .
عامة عشان بس تبقى تساؤلي واضح ليكم انا بستفسر على ان ليه الامل واليقين ده كله جوايا ومافيش اي حاجه بتوحي بكده . .
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
أهلا بيكي . .
قليل مننا اللي بيتقن حسن التعامل مع عبادة الدعاء , بيقع في واحد من مشكلتين . .
إما إنه يهمله تماما , علي اعتبار إن الدعاء هو شئ "ثانوي" , و"تكميلي" , وإنه شئ يتعمل في وقت الفراغ , ولازم نهتم بالأسباب بس , وده غلط . .
أو إنه يركز فيه تركيزغير محدود , ويضع أعصابه عليه , ويدعي ربنا وهو واثق و متأكد إن ربنا هيستجيب ليه , ولما يفاجئ إن المولي تبارك و تعالي لم يحقق له ما تمني , تهتز ثقته برب العالمين , و يصاب بالقنوط أو اليأس باعتبار ان الدعاء لم يحقق له ما تمني , وده برضه غلط . .
زي ما قلتلك , قليل مننا اللي بيعرف يتعامل مع الدعاء بشكل سليم , و سؤالك بيلقي الضوء علي العبادة الهامة ديه , فعشان نجاوب عليه , لابد إن الإجابة تتناول الشق الديني مع الشق النفسي جنب بعض . .
------------------------------------------------------------------------------------------
مش هنعرف نتكلم عن الدعاء بشكل سليم , مالم نعمل تأسيس لمبدأ مهم , اللي بيتلخص في دعاء الرسول صلي الله عليه و سلم : اللهم لا عيش إلي عيش الآخرة . .
الدعاء ده , لو بالفعل قدرتي تجعليه دستور حياتك , و تعيدي برمجة كل امورك عليه , مش هتصدقي حياتك كلها هتتظبط ازاي , بعد ما يتم ضبطها علي البوصلة الربانية . .
لما تؤمني و تقتنعي و يكون في وجدانك , إن حياتنا دلوقتي هي مجرد فترة مؤقتة , هي مجرد امتحان طويل شوية , ان كل ده هي ساحة عمل , بنستعد فيها لبناء حياتنا الطويلة الخالدة , اللي ندعو الله تبارك و تعالي إنها تكون في الجنة , لو بالفعل جعلتي القناعة ديه في عقلك و كيانك و وجدانك , ساعتها هتكون نظرتك للدعاء مختلفة تماما . .
أول ما تعيدي برمجة عقلك علي المبدأ ده , ساعتها بالفعل أغلب الحاجات اللي بندعي ربنا عشانها , مش هتفرق معانا كتير , سواء تم الإستجابة السريعة لها , او إن ربنا قدر إن يتم تأخير الاستجابة فيها . .
لما "محمود" يدعي بحرقة انه يتقبل في الوظيفة اللي اتقدملها , او لما "سوسن" تبكي بشدة في الدعاء ان "عادل" يسامحها و يرجعلها تاني , او لما "هند" تدعي بإلحاح انها تفوز في المسابقة و تكسب الجايزة الكبيرة , لما محمود , وسوسن و هند , يعيدو برمجة عقلهم إن "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" , وقتها هيكتشفو القيمة الحقيقية اللي كانو بيعملوها لحاجات , وانها بالفعل أقل أهمية . .
بل إننا لما ندعي بحاجات جادة و حقيقية , مثلا إن ربنا يرزقني بالذرية , او ان ابني الصغير يخف و يكون كويس , او إن بنتي تنجح في الامتحان , او ان زوجتي تقوم بالسلامة من العملية الجراحية , حتي الحاجات ديه اللي هي بالفعل شئ مهم و حيوي , لما تتظبط البوصلة بشكل سليم , هنعرف ان ما عند الله خير و أبقي , وإن لو ربنا قدر إن ميحصلش الحاجة اللي احنا نفسنا فيها , فبالفعل اختيار ربنا هو الأفضل لينا . .
لما "عبد الرحمن" يدعي ربنا كتير انه يرزقه بالذرية عشان نفسه يكون أب , ممكن يكون من رحمة ربنا إنه لا يستجيب لدعاءه , وإنه يظل حتي الشيخوخة دون أطفال , لأنه يعلم ان وجود ذرية ليه هيعمله إيذاء غير محدود , حتي لو كان الشخص ده بيظن العكس . .
لما "عفاف" تدعي ربنا بإلحاح إنها تتقبل في الوظيفة في البنك اللي قدمت فيها , ممكن يكون من كرم ربنا عليها إنها ما تتقبلش , لأنه يعلم إن قبولها في الوظيفة ديه هيغير من مستقبلها تماما , وهتتغير حياتها للأسوء , وهتندم علي ده لما تكبر . .
كام مرة بنشوف أشخاص اتغيرو سلبا بشكل جذري بعد موقف معين حصل لهم , اكيد هو كانو يتمنو لو ان الحاجة ديه محصلتش أساسا ليهم من زمان , كانو يتمنو لو ان ربنا لم يستجب دعواتهم . .
الإنسان بطبعه نظره قاصر , يتمني الهدف القريب من غير ما يبص لقدام , نفس مبدأ : احييني النهاردة و موتني بكرة . .
-------------------------------------------------------------------------------------
و قصة سيدنا موسي مع الرجل الصالح – يقال ان اسمه الخضر- في سورة الكهف , أبلغ دليل علي ده . .
سيدنا موسي تعجب أشد العجب لما وجد الرجل الصالح بيكسر في مركب الناس الغلابة . .
و اندهش تماما لما قتل طفل برئ بيلعب . .
و مقدرش يسكت لما بذل مجهود لناس من القرية البخيلة . .
و لما الرجل الصالح فسر لسيدنا موسي كل نقطة علي حدة , سيدنا موسي أدرك إن الرجل الصالح – بإيحاء من رب العالمين – كان عنده نظرة أبعد و أقوي من النظرة المعتادة , وإن الأعمال التلاتة اللي يبدو في ظاهرها القسوة و الظلم , ما هي الا رحمة لأصحابها , حتي لو هما مش واخدين بالهم . .
تخيلي حال اصحاب المركب لما شافو الكسر اللي فيها , قبل ما يعرفو ان الملك الظالم بياخد المراكب السليمة , تخيلي مشاعر الأب و الأم اللي شافو ابنهم الطفل مات من غير ما يعرفو حكمة الأمر ده , غالبا دي هي نفس مشاعرنا احنا , لما نجد إن المولي تبارك و تعالي لم يستجب دعائنا , ومش بنرضي ابدا نقتنع من جوانا ان ده هو الأصلح لينا . .
أول ما يكون عندك يقين كامل بإن ما يختاره الله هو الخير , أول ما يكون عندك ثقة تامة بحكمة المولي تبارك و تعالي في تسيير كل الأمور , وقتها هيطمئن بالك , وهتستريحي راحة تامة , وإنتي عارفة ان ما يختاره الله هو الخير . .
متنسيش ان الرسول صلي الله عليه و سلم هو و الصحب الكرام عانو من الجوع و الخوف و المعاناة 3 سنين متصلة في شِعب أبي طالب , ربنا يعلم إن ده الخير لهم , حتي لو احنا مش قادرين نشوف الصورة الكاملة . .
متنسيش ان كلا من سيدنا يحيي و زكريا قتلا علي يد بني إسرائيل , وفيه روايات إن سيدنا يحيي تم ذبحه . .
متنسيش إن ستة من أبناء الرسول صلي الله عليه وسلم ماتو قدام عينيه (إبراهيم , القاسم ,عبد الله , زينب , رقية , أم كلثوم) , الرسول كان واثق أن كل ما يقدره الله هو خير . .
حطي الكلام ده كله في بالك , و تعاملي مع كل حاجة في حياتك بالأسلوب ده , بس بعد ما تعيدي ضبط البوصلة بشكل سليم . .