معني الحياة
الرسالة السابقة
العنوان : معني الحياة
القسم: #الديني
الرقم: 31
السؤال:
كنت حابه اعرف ايه هى قيمه الحياه طالما يعقبها موت وايه قيمه السعى فيها ومحاولة النجاح طالما يعقبها الموت الغير محدد الموعد الذى قد يزور البعض فى اوج نجاحه ويموت ولا يشعر بلذة ما فعل
ففى شخص أعرفه سعى طوال حياته لعمل شركة كبيرة وعندما تحقق حلمة وعمل الشركة بالفعل مات دون أن يجنى ثمار ما فعل
فانا أريد أن أعرف ما هو مراد ربنا منا فى الحياة هل الإجابة اعمار الارض وما الفائدة طالما الارض كلها ستهلك يوم القيامة وما فائدة عملى كمعلمة وانا ساعلم أبناء مصيرهم الموت فى وقت لاحق وليس الخلود ولما السعى اساسا
اليس من الافضل ان نتبع مبدأ ابذل مجهود اقل أخطأ اقل بحيث اذهب إلى الآخرة وانا محملة بالقليل من الأخطاء لتجنبى الاحتكاك مع البشر
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
الإجابة :
أهلا بيكي . .
فيه جملة مشهورة , كان استخدمها نجيب محفوظ في رواية "الحرافيش" , بتقول : آفة حارتنا النسيان . .
يعني مشكلة الحارة بتاعتنا , إنها بتنسي بسرعة , وده غالبا هو السبب الرئيسي للسؤال بتاعك . .
أحيانا طول الأمد , و اختلاف الليل و النهار ,و توالي الشهور و السنين بيخلينا نتوه شوية و ننسي احنا كنا فين و واقفين فين و رايحين فين . .
زي بالظبط ما واحد يكون في السينما , ومنسجم جدا مع الفيلم , ومشدود ليه بقوة , ولما يخلص الفيلم ترجع له الذاكرة بالتدريج , ان هو اسمه حسين وقاعد في سينما ريفولي مع صحابه , وان عنده امتحان الاسبوع الجاي و مش مذاكر حاجة . .
و مشكلتنا المستمرة , اننا في قلب الحياة بننسي احنا مخلوقين ليه , وربنا أوجدنا ليه في الكوكب , والمطلوب مننا ايه . .
ومش هتلاقي وصف دقيق للدنيا و الحياة , افضل من وصف المولي تبارك و تعالي لها في القرآن الكريم . .
-----------------------------------------------------------------------------------
المولي تبارك و تعالي وصف الدنيا في أكثر من آية في القرآن الكريم , هنمسك منها آيتين دلوقتي . .
الأولي هي الآية 24 من سورة يونس (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
أنا عارف انك قريتي الآية كتير , وممكن تكوني حافظاها , بس ياتري فكرتي كويس في المثال الجميل ده ؟ ؟
مطر نزل من السماء و كان السبب لإخراج النبات الجميل اللي البشر و الكائنات بتاكل منه . .
و بعدين ؟ ؟
" فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا" , كلمة "حَصِيدًا " كما فسرها ابن عباس رضي الله عنه , يعني مقطوعة و مقلوعة من أصولها , يعني زي الزرع اللي تحصديه , فيخرج من الأرض و يكون مرمي فوقها . .
و " كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ" يعني كأنها مكانتش موجودة أصلا قبل ما يظهر هذا النبات فوق سطح الأرض . .
واخدة بالك من التشبيه البليغ ؟ ؟ زي ما المطر بيجعل النبات يخرج من الأرض , بعدها النبات ده بيتم حصاده و ينهار بعد ما كان واقف , كمان الدنيا هي فترة مؤقتة فيها أعمال و إنجازات تبدو انها رائعة , لكنها كلها الي زوال . .
وبتيجي الآية 17 من سورة الرعد عشان تستكمل المعني المهم : (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) . .
الآية بتشرح ان لما يحصل أمطار أو سيول من فوق الجبال , فالمطر بيجيب معاه حاجتين , أولا الرواسب الطينية اللي بتكون مفيدة و مهمة للمزارعين عشان يعرفو يزرعو الأرض بيها , وكمان كمية كبيرة من "الزبد" وهي الرغاوي اللي بتكون علي السطح . .
الرواسب الطينية بتكون مستخبية و مش باينة وممكن يكون لونها او شكلها مش جذاب , بينما الرغاوي بتكون علي السطح , وبيكون شكلها جميل و حجمها كبير . .
لكن خدي بالك , إن الرغاوي ديه كلها بتروح و بتندثر (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) , بينما الرواسب الطينية المهمة و المفيدة بتترسب علي الأراضي عشان الناس تستفيد منها (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)
يعني إن كان بالفعل الأعمال في الدنيا زي الزرع اللي هيتم حصاده و هلاكه في النهاية زي ما آية سورة يونس وضحت , فآية سورة الرعد بتقول معني مهم جدا . .
إن فيه نوعين من الأعمال , نوع زي الرغاوي , شكلها حلو و جذاب و كبيرة , بس كلها علي الفاضي , و هتنهار علي طول . .
و نوع تاني مش باين و مش ظاهر , لكن هو ده المفيد اللي هيظل معاكي للنهاية . .
فآية سورة يونس وضحت لنا إن الدنيا إلي زوال , وآية سورة الرعد وضحت لنا ايه نوع الأعمال اللي نهتم بيها , وايه اللي نتجنبه .
-----------------------------------------------------------------------------------
ليه بنقول ده كله ؟ ؟
عشان أفكرك و أفكر نفسي , اننا كلنا في امتحان , كل ده اختبار كبير ,و كل الحاجات اللي بتجذبنا في الدنيا في "زبد" , رغاوي مش اكتر , ومهما كان شكلها جذاب و جميل , فهي هتنهار عاجلا أو آجلا . .
ولكن في الإمتحان ده , اهتمي بالنوع التاني من الأعمال , الرواسب الطينية اللي بتكون مستخبية في السيول و اللي بتفيد الناس حتي لو شكلها مش بنفس الجاذبية بتاعت الرغاوي . .
لكن مشكلتنا اننا كبشر , بننسي بسرعة , "آفة حارتنا النسيان" زي ما قلنا , وإننا من طول تعاملنا مع الحياة بننسي أحيانا الهدف اللي احنا بالفعل موجودين عشانه , مش بناخد بالنا احنا موجودين ليه أساسا . .
و تلاقي بالتعود و بالتدريج , تتغير إتجاهات البوصلة العقلية عندنا , تتحول لأهداف دنيوية محددة وواضحة , اخلص تعليم , اتخرج من الجامعة , اشوف شغل , اخطب بنت الحلال , افرش الشقة , اكتب الكتاب , الحمل و الأطفال , العيال بيدخلو مدارس , أطلع علي المعاش , انتظر الموت . .
دورة الحياة ديه , وان كنا احنا كمسلمين مأمورين بالسعي فيها و عدم التكاسل عن اي عنصر منها , إلا إننا مأمورين كذلك اننا منخليهاش هدف في ذاتها , لكن هي وسيلة , وسيلة فقط للوصول للهدف الأسمي و هو النجاح في الامتحان . .
و النجاح بيكون عن طريق اني ألتمس رضا الله تبارك و تعالي في كل خطوة من خطوات حياتي , إني أراعي القواعد الشرعية في كل خطوة , إني أربي أولادي علي إنهم يخافو من ربنا , ويسعون إلي رضوانه . .
لو الصورة ديه بقت واضحة في عقولنا بدقة , هتتحل كل مشاكلنا فورا . .
وقتها هنستمر في الجامعة باهتمام و تفوق , بس انا عارف انها مش هدف , ديه وسيلة عشان اخدم عباد الله بمهنتي و دراستي . .
هنسعي للحصول علي وظيفة مرموقة بمرتب كويس , بس مش عشان الشغل في ذاته ولا عشان الفلوس , لكن عشان ده أمر نبوي لينا بالسعي وراء العمل , وعشان اعف نفسي عن سؤال الناس . .
وقتها هدور علي بنت الحلال و ارتبط بيها , مش عشان الزواج ذاته ,لكن عشان اعف نفسي عن الحرام , و عشان الاقي شريكة حياتي تساعدني في الامتحان , وعشان انشئ اسرة تقيم شرع الله . .
لو تم بالفعل ضبط البوصلة العقلية ديه , هتلاقي فورا ان هدفك بقي واضح جدا , وبقي مرئي و ملموس ليكي بدرجة كبيرة , انا كفلانة موجودة في الدنيا عشان اقدر انجح في الامتحان , عشان لما اموت و اقف قدام بين يدي الله اقول يا رب انا عملت المستحيل عشان أطبق منهجج الرباني علي نفسي و علي أسرتي . .
وقتها انتي كمعلمة للأطفال هيكون واضح قدامك ان هدفك إنك تعملي الأطفال كلا من العلوم الدنيوية المهمة عشان يعرفو يبنو حياتهم , وكمان الخلق القويم و الأسس الدينية عشان يكونو أقرب لمساحة رضا الله سبحانه . .
وقتها هتلاقي كل خطوة في حياتك هي ترجمة دقيقة للسعي لرضا الله سبحانه , سواء انك بتقوي تصلي , او بتقرأي القرآن , او بتحضي الغدا لأولادك , او بتكوي القميص لزوجك , او بتحصصي الكراسات للطلاب ,او بتشرحي بذمة و ضمير في الفصل , او حتي بتشيلي طوبة من الأرض خوفا ان حد يتكعبل فيها . .
حتي لما تعملي حاجة فيها نوع من التسلية و الترفيه ليكي (قراءة قصة , كتاب كوميدي , رحلة , مصيف , كلام وضحك مع صديقة ) فانتي ماشية علي خطوات الرسول صلي الله عليه و سلم , اللي كان بيعمل ترويح لنفسه لأن القلوب بتمل , وطبعا بشرط يكون الموضوع مفيهوش حرمانية
و ديه هي الترجمة الدقيقة للآيتين 162 , 163 من سورة الأنعام : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
واخدة بالك من كلمة (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) , يعني هكذا أمر المولي تبارك و تعالي رسوله صلي الله عليه و سلم , وبالطبع باقي المؤمنين . .
ده هو المسار الرئيسي لينا كمسلمين , واللي المفروض نمشي عليه , لكن للأسف : آفة حارتنا النسيان . .
ربنا يتقبل منا و منكم , ويجعل كل خطوة في حياتك في سبيله يا رب العالمين